ألمانيا - "تزوير نبيل" من أجل أطفال سوريا
١٩ مايو ٢٠١٤مظاهرات وخطابات شكر أمام مبنى وزارة الأسرة في العاصمة الألمانية برلين أثارها إعلان منسوب لوزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيغ حول استقبال بلادها لـ55 ألف طفل سوري للعيش مع أسر بديلة في ألمانيا، لكن الوزيرة التي تجلس في مكتبها داخل المبنى المحاط بالمتظاهرين لا تعلم شيئاً عن المبادرة التي تحمل توقيعها.
بدأ الأمر بخطاب محكم يحمل إمضاء الوزيرة ويكشف عن عزم ألمانيا استقبال 55 ألف طفل سوري. نشر الخطاب على موقع لا يمكن من الوهلة الأولى تصور أنه غير حقيقي ولا يتبع الحكومة، إذ يظهر شعار الوزارة وصور لأطفال يحتفلون بالقرار ويحملون صور الوزيرة الألمانية. نص الخطاب كتبه مجموعة من الفنانين من "مركز الجمال السياسي" وهو لا يحمل تصريحات حقيقية للوزيرة وإنما تصريحات نسبت إليها ضمن مبادرة تهدف للضغط على حكومة برلين لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين.
خرجت المبادرة بشكل محكم للغاية وتضمنت رقماً لخط ساخن استقبل بالفعل العديد من المكالمات من ألمان اعتقدوا أن المبادرة حقيقية من الحكومة الألمانية وأعربوا عن استعدادهم للمشاركة في استقبال الأطفال وتوفير الرعاية لهم. أثارت المبادرة اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام كما أعادت ملف اللاجئين السوريين للأجندة السياسية في ألمانيا بشكل كبير.
الاستفزاز للفت الانتباه
"مركز الجمال السياسي" يضم مجموعة من الفنانين ويتميز بالقيام بحملات غير معتادة بهدف استدعاء ردود فعل من المسؤولين السياسيين. وتقول سيزي ليونارد العضو بالمركز والمشاركة في حملة استقبال أطفال سوريا في تصريحات لـDW عربية: "نحن فنانون في المقام الأول وهدفنا الأساسي هو لفت الانتباه لقضايا معينة".
لا يفي إعلان حكومة برلين بشأن استقبال عشرة آلاف لاجئ سوري بطموحات القائمين على مركز الجمال السياسي الذين يرون أن بوسع ألمانيا فعل المزيد من أجل اللاجئين السوريين وتخفيف العبء عن جيران سوريا الذين يتحملون النصيب الأكبر من مشكلة اللاجئين كالأردن ولبنان وتركيا.
ويرى الناشط السوري هوزان إبراهيم أن الحملة حققت هدفاً مهماً وهو إعادة سوريا لمركز الجدل السياسي في الإعلام الألماني وأيضاً على صعيد المجتمع حتى وإن استعملت عناصر استفزازية من أجل تحقيق هذا الهدف والوصول لأكبر عدد ممكن من الناس. ويوضح الناشط الذي يتابع عن كثب ردود الفعل على الحملة، أن الفكرة فتحت باب النقاش حول الطرق الممكنة لمساعدة السوريين وكيفية تحقيق ذلك على أرض الواقع.
الأطفال لتجسيد المعاناة
قوبلت الحملة بأصداء إيجابية كبيرة تجسدت بشكل كبير عبر تعليقات متنوعة على شبكات المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي والتي رحبت بدور الفن في تحسين الأوضاع الصعبة وتحقيق الأحلام على أرض الواقع، لكن البعض انتقد استخدام حملة غير حقيقية لصور أطفال ظهروا وهم يحملون لافتات تحمل عبارات شكر لحكومة ألمانيا على هذه المبادرة خوفاً من إحباط الآمال لدى هؤلاء الأطفال، وهو ينفيه مركز الجمال السياسي على لسان ليونارد، التي أكدت أن الأطفال الذين تم تصويرهم كانوا على علم بأن الحملة غير حقيقية، كما تم إعلام ذويهم ومعلميهم بأن الأمر في النهاية هو عمل فني يهدف للفت الأنظار للوضع في سوريا.
وفي هذا السياق أيضاً يقول هوزان إبراهيم في حوار مع DW عربية إن اختيار الأطفال كواجهة لهذه الحملة جاء انطلاقاً من فكرة أن الأطفال حالياً هم الفئة الوحيدة التي لا خلاف على براءتها إذ لا يمكن حسابهم على أي تيار في سوريا. ويضيف الناشط السوري إنه لا ينتظر القائمون على المبادرة إحراج الحكومة الألمانية ودفعها لتتبنى فكرة استقبال 55 ألف طفل لكن هدفهم هو لفت الأنظار لمعاناة الأسر السورية وحث برلين على فتح أبوابها أمام عائلات بأكملها وليس الأطفال فحسب علاوة على التأكيد أن ما فعلته الحكومة الألمانية حتى الآن في ملف اللاجئين السوريين ليس كافياً ولا يتناسب مع حجم المعاناة.
"مستعدون للمساءلة القانونية"
استخدام توقيع وبيانات وزيرة ألمانية على خطاب لم تكتبه مسألة من الممكن أن تكون لها تبعات قانونية وهو أمر يدركه القائمون على مركز الجمال السياسي. حتى الآن لم تلجأ الوزيرة أو الحكومة الألمانية لمقاضاة المركز بتهمة التزوير ولم يتجاوز رد فعل الوزارة سوى بيان يؤكد أن الموقع الذي نشرت عليه المبادرة لا يمت للوزارة بصلة.
لكن سيزي ليونارد تقول إن القائمين على المبادرة على استعداد تام لمواجهة أي مساءلة قانونية محتملة قد تلجأ إليها الحكومة الألمانية استناداً على تزوير إمضاء الوزيرة ونسب تصريحات إليها وتضيف:"لدينا مجموعة من المحامين الجيدين".
في الوقت نفسه يواصل مركز الجمال السياسي نشاطه بشأن الملف السوري من خلال تسليط الضوء على أشخاص جاؤوا من سوريا ويحكون عن حقيقة الوضع هناك في فعالية مفتوحة في أحد ساحات برلين الأسبوع المقبل. وتقول سيزي ليونارد إن الجزء الثاني من المبادرة يهدف للتركيز على أشخاص عاشوا المعاناة في سوريا ووضعهم وجها لوجه مع مواطنين ألمان في خطوة تهدف لتحقيق الهدف الأساسي للحملة وهو تحريك النقاش حول القضية على المستويين السياسي والاجتماعي.
حملات مثيرة للجدل
ينظم مركز الجمال السياسي حملات في مناسبات مختلفة كان من بينها إحياء ذكرى مذبحة سربرنيتسا. تميزت معظم حملات مركز الجمال السياسي بأنها غير مألوفة ومثيرة للجدل ففي انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة أرسل المركز أحد النشطاء للجنة التي كانت تدلي فيها المستشارة أنغيلا ميركل بصوتها.
كان هذا الناشط متشحاً بالسواد كرمز للـ"سوداوية السياسية في ألمانيا". وفي حملة أخرى وضع المركز أنغيلا ميركل ووزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير للبيع في على أحد مواقع المزادات الشهيرة في قسم "الأشياء المستخدمة".