ألمانيا تذكر بملهم لغتها ومعلمها كونراد دودن
يعتبر المجلد الأصفر المعروف باسم دودن (Duden) أحد ركائز المطالعة في ألمانيا، سواء كان ذلك في الأوساط الطلابية أو المدرسية أو حتى في أوساط الخبراء والمتخصصين. إذ أن هذا المرجع يقدم المشورة والنصيحة عن كيفية كتابة الكلمات الألمانية، سواء المركبة منها أو البسيطة. ولم يكن ناشر هذا الكنز العلمي في عام 1880، كونراد دودن يتوقع له هذا النجاح العظيم، فمشوار مرشد الكتابة الصحيحة (Duden) بدأ بـ 27 ألف أصل كلمة موزعة على 187 صفحة، وفي يوم 7 تموز/يوليو عام 1880، أي قبل 125 عاما، صدرت الطبعة الأولى الكاملة لـ" كتاب كلمات اللغة الألمانية" الذي يحمل إسم دودن.
125 ألف كلمة
لقد أصبح مرجع دودن الذي بدأه معلم اللغة كونراد دودن بتواضع واختصار يشكل مرجعا أساسيا لقواعد اللغة الألمانية. وبينما تعج رفوف المكتبات بمجلدات هذا المرجع الأساسي للغة والمكتوب على 1152 صفحة موزعة على 23 مجلد، تعقد لجنة تحرير وتنقيح دودن اجتماعات متواصلة للعمل على مواصلة البحث عن أصول كلمات اللغة الألمانية المكونة من 125 ألف أصل. ويقول مدير لجنة تحرير دودن ماتياس فيرمكي إن دودن "يعيش ويتطور مع مستخدميه"، إذ أن محتوى الكلمات يتماشى مع متطلبات العصر، فنجد على سبيل المثال كلمات الهاتف المحمول (Handy) و البريد الالكتروني (Mail) إضافة إلى دردشة الانترنت (Chat) جزءا من هذه الموسوعة منذ فترة طويلة. من ناحية ثانية يشار إلى أن احتجاج أصحاب لهجات المناطق الشمالية في ألمانيا والمعروفة باسم (Ostfriesen) والتي تستخدم كلمات خاصة في تعاملها قد أتت ثمارها، حيث يسلم العامة على بعضهم البعض بكلمات مثل
(Moin Moin) بدلا من كلمة (guten Morgen) لتحية الصباح. هذه الكلمات نجدها ضمن أصول كلمات اللغة الألمانية في مرجع دودن، هذا الاحتجاج جاء على خلفية لوجود كلمة (Ade) في مجلد دودن والتي تعني الوداع عند العامة.
دودين الموحد في عام 1991
أخذت موسوعة الكلمات الألمانية بالنمو وخاصة بعد إعادة توحيد الألمانيتين في عام 1991، حيث اعتمدت كل دولة على مدى أربعة عقود من الانقسام على مراجع خاصة بها. وبينما قام قسم الإصدار الألماني التابع للمؤسسة اللغوية في مدينة لايبتسيغ بمتابعة طبعة ألمانيا الشرقية، عملت دار النشر ومؤسسة بروكهاوس في مانهايم على متابعة وتنقيح طبعة ألمانيا الغربية. وكان الخلاف بين هذين المرجعين يكمن في تعابير الكلمات حسب مناطق الدولة. أما ضبط هذه الكلمات فكان موحدا لدى الدولتين. وبعد خمس سنوات من توحيد هذه الموسوعة تم إخراج مجلد دودن للكتابة الصحيحة الحديثة. واعتبر هذا العمل الأنجح على مستوى دور النشر الألمانية، حيث يتم طلبه باستمرار من قبل المستخدمين.
لكل بيت مرجعه
لم يكن باعتقاد ابن سائق القطار المولود في القرن 19 في مدينة فيسل على ضفاف نهر الراين أن طريقة كتابة الكلمات الألمانية ستتوحد في يوم ما، حيث اعتمدت كل دار نشر على مرجعها اللغوي الخاص بها، حتى أن نظام الكتابة في المدارس لم يكن موحدا. وقام المعلم الموهوب في ذلك الوقت واستنادا على قواعد الكتابة الألمانية والمعروفة باسم "القواعد البفارية والبروسية" في ذلك الحين ليخرج موسوعة دودن الأولى
(Urduden)، على الرغم من أن الشخصية السياسية الألمانية بسمارك قد منع في حينه استخدام قواعد الكتابة البروسية في المدارس. وبالرغم من ذلك كله استطاع الوصول إلى هدفه بعد 21 عاما، إذ أن مؤتمر "برلين لضبط قواعد اللغة" اعتمد مقترحاته كأساس للعمل وإكمال كيفية الكتابة في الدوائر الحكومية التي تم توحيدها. ولإكمال "معجم كتاب الكلمات" والإسراع في تنفيذ هذه المهمة ء أوكلت مؤسسة كونراد دودن اللغوية هذه المهمة لبعض العاملين فيها، وهذا كان بمثابة ولادة هيئة تحرير دودن التي أخذت على عاتقها بعد وفاته عام 1911 بالعمل على تطوير كتاب الكلمات، حيث تم تقسيم أبجدية اللغة على فريق عمل الهيئة والمكون من 20 محررا.
مواكبة التطور
لقد تطور مرجع الكتابة الصحيحة في هذه الأثناء ليصبح مرجعا عالميا، إذ أنه يمكن للمستخدم التعرف على مخارج الحروف وقواعد الإملاء والاستنباط إضافة إلى المعاني المرادفة للكلمة في اللغات الأخرى. ونظرا للتطور التكنلوجي وتطور وسائل الاتصال الالكتروني استطاع مرجع دودن مواكبة العصر، حيث يمكن للمستخدم أيضا استعمال النسخة الإلكترونية لمرجع دودن بما في ذلك المرجع المسموع.
إعداد: زاهي علاوي