ألمانيا تبحث عن مخرج من أزمة نقص المهارات المهنية
٥ يونيو ٢٠١٢يصدر المكتب الاتحادي للعمل تقريراً شهرياً عن معدلات البطالة والوظائف الشاغرة. وفي السنوات الأخيرة، شهدت معدلات البطالة في ألمانيا تراجعاً ملحوظاً، ورغم ذلك فإن الوظائف الشاغرة في ازدياد. وفي مايو/آيار الماضي سجل مكتب العمل حوالي نصف مليون وظيفة شاغرة، بما يعادل 29 ألف وظيفة أكثر من الشهر نفسه في العام الماضي. وتزداد الحاجة إلى كفاءات في مجالات هندسة الميكاترونكس والهندسة الكهربائية وهندسة التعدين والهندسة الميكانيكية والخدمات اللوجيستية، بالإضافة إلى مجالات الصحة والتجارة. كذلك يمثل قطاع تكنولوجيا المعلومات أحد أكثر القطاعات بحثاً عن كفاءات، كما يؤكد برنهارد روليدر، رئيس الاتحاد الألماني لتكنولوجيا المعلومات "بيتكوم"، الذي يوضح أن هناك حوالي 38 ألف وظيفة شاغرة في هذا المجال. ويضيف: "نحن نعلم أننا نحقق حجم معاملات أقل بحوالي 1.5 مليار يورو مما كان يمكن تحقيقه بسبب نقص العاملين القادرين على تحقيق تلك الأرباح". نقص الكفاءات يؤثر بشكل مباشر على الشركات ويعيق إمكانيات الابتكار، كما يوضح روليدر قائلاً: "لأن من الذي سيبتكر إذا لم يكن هناك أناس لهم عقول مبدعة قادرين على القيام بهذه المهمة؟".
ثلاث ركائز لمكافحة نقص الكفاءات
ويحدد ريوليدر ثلاث ركائز أساسية للتغلب على هذه المشكلة: تحسين نظام التعليم الألماني وتشجيع المسنين والنساء غير العاملات في الوقت الراهن، فضلاً عن تحديث سياسة الهجرة. لكن هجرة العمالة تبدو صعبة، حتى داخل حدود الاتحاد الأوروبي. فبالرغم من أن كثيراً من الناس في أوروبا يبحثون عن عمل، خاصة في ظل أزمة الديون داخل أوروبا، يبدو أن هناك ترددا في التوجه إلى ألمانيا حتى من قبل اليونانيين والأسبان والبرتغاليين. وهذا ما يؤكده أيضاً هاينريش ألت، عضو مجلس إدارة المكتب الاتحادي للعمل، قائلاً: "لدينا هجرة داخلية قوية في أوروبا، ونتوقع هذا العام أن يزيد عدد المهاجرين إلى ألمانيا بحوالي 150 ألف شخص". ويتم تكليف شركات التوظيف في الخارج خصيصاً للبحث عن كفاءات في مجالات بعينها مثل الهندسة والرياضيات وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، لكنه يضيف أن عدد المهاجرين العاملين في تلك المجالات لا يزال غير كاف.
"ألمانيا ليست جذابة بما يكفي"
وعلى مستوى منخفض أيضاً، يتدفق بعض المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا، خاصة بعد إدخال نظام البطاقة الزرقاء في الاتحاد الأوروبي، والذي يهدف لاستقطاب الكفاءات في الهندسة والعلوم إذا ما كانوا يتقاضون دخلاً سنوياً يبلغ 35 ألف يورو على الأقل.
يذكر أن عدد الأطباء الذين قدموا إلى ألمانيا من خارج الاتحاد الأوروبي في عام 2011 بلغ 1221، بعد أن كان عددهم 795 في عام 2010، بينما ارتفع عدد المهندسين القادمين إلى ألمانيا من 300 إلى 1191 في عام 2011.
لكن هذا لا يكفي في رأي رئيس هيئة بيتكوم، روليدر، الذي يصف لقاء عقده مع أحد خبراء الكمبيوتر الهنود قائلاً: "كان يجب عليه الانتقال إلى ألمانيا، وسألني ما الذي أخطأ فيه ليضطر إلى المجيء إلى ألمانيا. هو يعرف عن ألمانيا فقط أنها بلد فيه فاكهة توت الأرض. وقد يكون يعرف أحد لاعبي كرة القدم، أو ماركة سيارات ألمانية، لكنه لا يعرف لماذا يجب عليه كخبير كمبيوتر موهوب أن يذهب إلى ألمانيا، ويعتبر هذا عقابا. فهي بالنسبة له ليست أرض الأحلام". ولن يتغير الوضع طالما بقيت ألمانيا غير جذابة كمكان للحياة للأجانب الموهوبين.
لكن المعارضة السياسية في برلين لازالت ترى في الهجرة خيارا ثانويا لمعالجة إشكالية نقص الكفاءات. وتعتبر أنه يجب في البداية رفع مستوى الكفاءات في الداخل، حيث انتقد هوبرتوس هايل، النائب عن الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أوضاع التعليم في الداخل، قائلاً إن هناك 65 ألف شاب وشابة يغادرون المدرسة سنوياً دون الحصول على شهادة. كما أوضح أن هناك الكثير من الناس في ألمانيا الذين يعانون من البطالة وظروف العمل غير المستقرة لفترة طويلة، ما يؤثر على كفاءاتهم، مشيرا ً إلى القمة التي ناقشت موضوع الكفاءات في العام الماضي قائلا: "هناك تم النقاش بشكل غير إلزامي حول هذه المشكلة. لكن تلك القمة لم تعط إجابات على سؤال كيف يمكن بذل مزيد من الجهد المشترك بين قطاع الصناعات والنقابات ورجال السياسة لمواجهة التحديات المستقبلية فيما يتعلق بنقص الكفاءات".
إلا أن رأي الحكومة الائتلافية بالطبع مختلف، فهي ترى أنه تم بالفعل اتخاذ تدابير ملموسة وفعالة للقضاء على نقص الأيدي العاملة الماهرة، كما أنها ترى أن التعاون جيد جداً مع القطاع الاقتصادي. ومن المتوقع أن تقدم الثلاثاء 5 يونيو/حزيران موازنة للمبادرة التي تم إطلاقها العام الماضي بخصوص زيادة أعداد الكفاءات في ألمانيا، وذلك في إطار القمة الثالثة للكفاءات المهنية، بحضور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ووزيرة العمل أورزولا فون دير لاين، ووزير الاقتصاد الألماني فيليب روسلر. وتحمل القمة شعار: "من بإمكانه القيام بعمل الغد؟".
سابينه كينكارتس/سمر كرم
مراجعة: محمد المزياني