ألمانيا الشرقية ماتت سياسيا، لكن أدبها لازال حيا
١٩ مارس ٢٠١٢"في يوم من الأيام سنحكي لبعضنا البعض كل شيء"، هذا هو عنوان أول رواية للكاتبة دانييلا كرين حول عائلة كانت تعيش في منطقة حدودية بين شطري ألمانيا الشرقي والغربي بعد سقوط جدار برلين. ويبدو أن المقصود ب"في يوم من الأيام" هو الوقت الراهن. فبالرغم من مرور أكثر من عشرين عاما على سقوط ألمانيا الشرقية إلا أنها لا تزال حية أكثر من أي وقت مضى في سوق الكتاب. وتتصدر الحياة اليومية في المانيا الشرقية خاصة مواضيع الروايات والكتب التي تتناول حقبة تاريخية لدولة تمكنت من بسط سلطتها الى داخل الأسر أيضا.
"إنها حالة المد والجزر في تاريخ الأدب"، هكذا تصف ناقدة الأدب مايكه آلبات هذا التوجه الذي لاحظته خلال الخريف الماضي. ذلك أنها اطلعت على مئات الكتب بوصفها عضوة لجنة تحكيم لجائزة الكتاب الألماني التي فاز بها الكاتب أوغين روجيز عن قصته "في زمن تقلص الضوء" وهي عبارة عن سيرة ذاتية لعائلة كانت تعيش في ألمانيا الشرقية. وترى آلبات أن هناك مواضيع معينة تحتاج إلى "مسافة تاريخية" حتى تتحول إلى أدب.
"مسافة تاريخية" للتعامل مع الماضي
ماريون براش كانت كذلك بحاجة إلى هذا الابتعاد والمسافة التاريخية في سيرتها الذاتية العائلية ذات الطابع الروائي "هدوء بداية من الآن". براش، التي تصف نفسها بأنها آخر الناجين من عائلة "مليئة بالقطيعة الوجودية"، "عائلة كثر داخلها الخصام والعراك إلى أن اختفت في النهاية". إخوتها الثلاثة، من بينهم الكاتب المسرحي المشهور توماس براش، فشلوا ضد نظام كانوا يعارضونه و وفشلوا داخل عائلة تعكس صورة أب كان يشغل منصبا مرموقا في أجهزة الدولة. وتقول ماريون براش إن "عائلتها من دون شك محظوظة، ولكنها أيضا نموذجية في ألمانيا الشرقية، مشيرة إلى أن مهمة خدمة الدولة كانت لها الأولوية داخل العائلة".
وتروي ماريون براش درامتيكية هذا الصدام العائلي من منظور طفولي - منظورها كأصغر ابنة – بروح خفيفة وبعض من الانشراح. خدعة فنية مكّنت الصحفية من الكتابة: "لم أستطع الكتابة في البداية لأنني لم أعرف كيف يمكنني كتابة هذه القصة. في البداية اتضح لي أن كتابة سيرة ذاتية أمر هائل ومهمة صعبة للغاية وترتبط باستحقاقات كبيرة لكتابة قصة حقيقية وأصلية".
ومثل هذه الرواية، تتناول الإصدارات الجديدة كثيرا ما الطفولة في ألمانيا الشرقية، على غرار رواية "ظهرا لظهر" للكاتبة جوليا فرانكس التي تتحدث عن "طفولة متضررة". وكنموذج لروايتها اتخذت فرانكس من السيرة الذاتية لجدتها، وهي الفنانة المؤيدة للنظام في ألمانيا الشرقية والتي وضعت خدمة الدولة على رأس أولوياتها حتى قبل الاهتمام بأطفالها."
جيل الشباب يتحدث عن ذكرياته
وفي المجلد الوثائقي للكاتبة روت هوفمان الصادر حديثا تحت عنوان "أطفال شتازي" يتحدث أولاد وبنات موظفين كانوا يعملون في وزارة أمن الدولة في ألمانيا الشرقية (شتازي) عن الجو الخانق داخل أسرهم. فيما يتحدث مجلد آخر يحمل عنوان "لم تكن نزهة" عن أولاد وبنات وفنانين ومعارضين سياسيين، حيث اضطروا للهروب من ألمانيا الشرقية مع آبائهم وأمهاتهم، بحثا عن "تغيير أنظمة الروح".
ولم تكن الموجات الأدبية التي تتناول الحياة اليومية داخل ألمانيا الشرقية بالجديدة، غير أن هذه المرة فإن جيل الشباب، الذين عرفوا ألمانيا الشرقية كأطفال قبل سقوطها وبعد إعادة توحيد ألمانيا، هو الذي "دخل على الخط"، كماا تقول الناقدة الأدبية مايكه آلبات. وفيما ينكب الجيل القديم على غرار إنغو شولتسه أو توماس بروسش على دمل جراحه، يحاول الجيل الشاب على غرار آنتيا رافيتش تناول حقبة ألمانيا الشرقية من المنظور التاريخي العقلي. ولكن ما يجعل حقبة ألمانيا الشرقية مثيرة لاهتمام الكتاب هو بعدها التاريخي الفريد من نوعه كما ترى آلبات التي توضح قائلة: "لقد كان هناك نظامان سياسيان مختلفان تماما ثم انصهرا في هيكل جديد. وهنا يمكن شرح القطيعة التاريخية بشكل جيد وفهمه أيضا." وكذلك ماريون براش ترى في هذه الخصوصية لحقبة ألمانيا شرقية مادة أدبية. "أرى أن حكاية مثل حكاية ألمانيا الشرقية يجب تناولها من منظورات مختلفة وبكل أوجهها القائمة آنذاك."
إذن، اتركونا نسعد بكل القصص التي سنقرأها مستقبلا!
الكاتبة: غابرييله شاف / شمس العياري
مراجعة: عبدالحي العلمي