"ألمانيا أسيرة روسيا" ـ الخطأ والصواب في اتهامات ترامب
١٢ يوليو ٢٠١٨على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسيل أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهامات صادمة تفيد بأن ألمانيا "تخضع لسيطرة كاملة من جانب روسيا"، لكونها مستورد رئيسي للغاز الطبيعي الروسي. وتساءل ترامب "إن ألمانيا خاضعة بالكامل لسيطرة روسيا. إنها تدفع مليارات الدولارات لروسيا لتأمين امداداتها بالطاقة وعلينا الدفاع عنهم في مواجهة روسيا. كيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ هذا ليس عادلا". وأوضح ترامب في تغريدة قبيل القمة "ألمانيا تُثري روسيا. إنها رهينة روسيا".
فما الذي يُغيض ترامب وما سر تنديده المتواصل بمشروع أنبوب الغاز نورد ستريم الذي سيربط مباشرة روسيا بألمانيا وإلحاحه بالتخلي عنه. ترامب ليس وحيدا في انتقاده لمشروع يثير أيضا انقساما في صفوف الأوروبيين، فقد اعتبرت بولندا بدورها، أنه وسيلة لتقديم الأموال لروسيا، وإعطائها وسائل يمكن استخدامها ضد أمن بولندا. ولكن هل ترامب محق في انتقاداته وهل تحفظاته مبنية على معطيات وأسس منطقية؟ ولماذا يُلح، بهذا الشكل، على التخلي عن مشروع نورد ستريم؟ التصعيد الكلامي لترامب يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الأطلسية أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية. وبهذا الصدد أوضحت كلاوديا مايور، خبيرة شؤون الدفاع في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية "نلاحظ أن الارتباط الوطيد الذي كان قائما بين الولايات المتحدة وأوروبا في الاقتصاد والسياسة وشؤون الدفاع بدأ يتفكك".
واردات ألمانيا من المحروقات الروسية
حسب البيانات الرسمية للحكومة الألمانية، فقد تم استيراد ما قيمته 19.8 مليار يورو من النفط والغاز الروسيين عام 2017، وهو ما يمثل 35% من واردات ألمانيا من المحروقات. وتملك شركة غازبروم المملوكة للدولة الروسية 51% من أسهم مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم، غير أن الأخير ليس خط الأنابيب الوحيد الذي يزود ألمانيا، فهناك خطوط أخرى من النرويج وهولندا. المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر هو رئيس لجنة المساهمين في نورد ستريم وهو يدفع ألمانيا وباقي البلدان الأوروبية لتعزيز علاقاتها مع روسيا. خلص موقع "دير شبيغل" الألماني (الأربعاء 11 يوليو/ تموز) إلى القول بأن كلام ترامب من حيث حجم الواردات الطاقية من روسيا صحيح لكنه لا يصل لدرجة الهيمنة.
الاتهام الثاني لترامب يدعي بأن روسيا بغازها "ستُخضع لسيطرتها 70% من ألمانيا" ويقصد ترامب بذلك أن ألمانيا ستضاعف تقريبا من واردتها من المحروقات الروسية والتي تصل اليوم لحولي 38% في إشارة إلى خط أنابيب نورد ستريم وطاقته المستقبلية. لكن هذه النقطة فيها مبالغة وتحتاج للتدقيق ثم إنها لا تقول كل الحقيقة من حيث دوافع ترامب الحقيقة. يذكر أن دول من شرق أوروبا كأوكرانيا وبولندا متحفظة بدورها من المشروع الذي تفادى المرور منها. وهي ترى أنها بذلك لن تتمكن من الاستفادة من رسوم العبور، كما أنه قد تُحرم من التزود بالغاز الروسي في حالات الأزمات أو الصراعات.
دوافع ترامب تجارية بالأساس
تتحفظ الولايات المتحدة على مشروع نورد ستريم لأسباب تجارية واستراتيجية، ذلك أن وصول الغاز الروسي بكميات كبيرة لأوروبا سيقضي على الحلم الأمريكي بتصدير غازها السائل إلى أوروبا. وبهذا الشأن ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الإدارة الأميركية تضاعف ضغوطها على أوروبا للتخلي عن خط الغاز مقابل وقف الحرب التجارية بينهما، بمعنى آخر أن المحرك الأساسي للضغط الأمريكي على ألمانيا له خلفيات تجارية. وهذا ما دفع موسكو لوصف هجمات ترامب بأنها ترقى إلى "منافسة غير نزيهة". وأضاف الكرملين أنها محاولة لإجبار الأوروبيين على شراء غاز بأسعار أغلى من مصادر أخرى.
يبقى أن هدف الحكومة الألمانية ليس هو مضاعفة واردات الطاقة من روسيا ولكن تنويع مصادر التزود بالطاقة. كما أن المشروع تم تصميمه بشكل يمكن دولا أوروبية عديدة من الاستفادة منه. وبالتالي فإن توقع ترامب بأن تهيمن روسيا على السوق الألمانية بنسبة 70% توقع مبالغ فيه. ثم إن التركيز على الغاز مبالغ فيه أيضا، لأنه لا يمثل إلا ربع مصادر الطاقة في ألمانيا، فيما تمثل الطاقات المتجددة والطاقة النووية وتلك المستخرجة من الفحم الحجري حوالي 40%، فيما تنمو نسبة الطاقات المتجددة بوتيرة سريعة وهو ما لا تأخذه توقعات ترامب بالحسبان.
الغاز ليس مصدر الطاقة الوحيد في ألمانيا، فالبترول يلعب أيضا دورا كبيرا. وتعتبر روسيا المصدر الأول للسوق الألمانية، لكنها ليست إلا مزودا ضمن 23 دولة تبيع بترولها لألمانيا. ومن الصعب الحديث عن تبعية ألمانية لروسيا في البترول، لأنه مادة تُنقل بالسفن، وتُشترى في البورصات العالمية ويمكن في كل لحظة وحين تغيير المزود. وبالتالي فإن القول بأن ألمانيا أسيرة لروسيا في هذا المجال ادعاء غير دقيق. والغريب أن ترامب يقوم بكل ذلك وهو ينتقد ميركل ويمتدح بوتين في نفس الوقت. في حوار مع DW أوضح فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، أن الخلاف بين ترامب وميركل يتجاوز موضوع الغاز والبترول، وأوضح أن "ميركل ليست فقط قاطرة للعمل الجماعي الأوروبي، بل هي أيضا من تدافع عن النظام الليبرالي الديموقراطي في العالم، ولم تعد الولايات المتحدة تقوم بهذا لدور، وبالتالي فإن ترامب يسعى لإسقاط ميركل وهو يمتدح بوتين".