ألقى بنفسه من الهرم فأعاد الحديث عن الانتحار وأسبابه في مصر!
١١ مارس ٢٠٢٠وفقا لصحف مصرية محلية، ألقى شاب مصري في العقد الثالث من العمر بنفسه من قمة الهرم، رغم محاولة قوات الأمن لثماني ساعات إثناءه عن فكرة الانتحار. ولم يتم الإفصاح عن المزيد من التفاصيل حول الحادث، سوى الإشارة إلى ما بدا على الشاب من "علامات اهتزاز نفسي"، بحسب تقارير إعلامية مصرية.
وسبق انتحار الشاب، قيام ثلاث مراهقات بتناول حبوب حفظ الغلال السامة، ما أودى بحياتهن، واقدمن على ذلك لمعاناتهن من "عنف أسري"، على حد وصف وسائل إعلام محلية. الملفت للانتباه هو اختيار الفتيات لحبوب حفظ الغلال كوسيلة للانتحار لسهولة الحصول عليها وانخفاض سعرها.
ما جدوى المبادرات؟
وبالرغم من قسوة تلك الحادثتين، كان قد سبقهما حادث لا يقل عنهما قسوة حيث تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في مصر العام الماضي مقطع فيديو لشاب أثناء قفزه من أعلى برج القاهرة لمروره بأزمة نفسية لم يتم الإعلان عن طبيعتها.
وتسبب الحادث في ردود أفعال كثيرة على المستويين الرسمي والمجتمعي، يأتي في مقدمتها إطلاق مجمع البحوث الإسلامية التابع لجامعة الأزهر حملة تحت اسم "حياتك أمانة حافظ عليها" للتوعية بمشكلة الانتحار، فضلا عن حملة "معاً ضد الانتحار" برعاية المنظمة العالمية لخريجي الأزهر للتوعية من على منابر المساجد وبالمدارس والجامعات.
كما أطلقت مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة والسكان المصرية حملة أخرى باسم "حياتك تستاهل تتعاش" للدعوة إلى التوجه لأول عيادة حكومية يتم فتحها لمواجهة مشكلة الانتحار لدى الحاجة لذلك، بالإضافة إلى تدشين خط ساخن في حالة الرغبة في التواصل مع متخصصين بهدف الحصول على مساعدة او استشارة.
من جانبهم، أطلق رواد منصات التواصل الاجتماعي عقب الحادث مبادرة إلكترونية بعنوان "أريدك أن تكون حياً"، كما أطلق ناشطون وسم "#الشباب_بينتحر_علشان" للحديث عن الأسباب التي تدفع بعض الشباب لإنهاء حياتهم.
إلا أن استمرار حالات الانتحار في المجتمع المصري يثير التساؤل حول جدوى تلك المبادرات، فوفقا لأطلس الصحة النفسية الصادر عام 2017 عن منظمة الصحة العالمية: "ليس لدى مصر إستراتيجية وقائية على المستوى الحكومي لمواجهة الانتحار".
وفي حوار أجرته DW عربية، يرى الأخصائي النفسي المصري الدكتور محمد الرخاوي، أن هذه المبادرات سواء كانت من مؤسسات حكومية أو أطراف مجتمعية لا تضر في جميع الأحوال حيث أنها "تزيد من الوعي المجتمعي بالأمر إذ تتيح الفرصة لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة" على حد وصفه.
ويضيف الرخاوي: "يعطى الحوار شعوراً بالمشاركة في الآلام والهموم، وهو ما يعتبر جزء أساسيا و شديد الأهمية لتفادى خطورة الانتحار لدى من يعانون من الاكتئاب بالتحديد".
"خجل" أسر من انتحار أبنائها!
ولا توجد بيانات رسمية بنسب الانتحار أو العوامل التي تؤدي إليه في مصر، ويرجع ذلك عادة إلى تصنيف بعض حالات الانتحار كحوادث عادية وشعور العائلات بالخجل من الأمر، بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية. ولعل الرقم الوحيد المتاح هو ما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية، والتي صنفت مصر في المركز الأول عربياً في نسب الانتحار بعدد 3799 حالة في عام 2016.
وغياب البيانات يدفع الرخاوى للدعوة إلى توخي الحذر لدى الحديث عن ما يصفه البعض بـ "زيادة نسب الانتحار في مصر"، إذ يؤكد على أهمية تسليط الإعلام الضوء على حالات الانتحار للفت الانتباه للظاهرة، ولكن مع إدراك أن "هذا لا يعطينا بالضرورة مؤشرات عن الحجم الفعلي للظاهرة"، على حد قوله.
وكان مركز "دفتر أحوال للتوثيق والأرشفة"، وهو معهد بحثي مستقل فى القاهرة، قد أصدر تقريرا بعنوان "وقائع الانتحار في مصر" لرصد وقائع الانتحار المعلنة في مصر سواء عبر مصادر حكومية أو وسائل إعلام في الفترة من 2011 إلى 2017. وجاء في التقرير أن نسبة المنتحرين من الذكور تزيد أكثر من الضعف عن الإناث، وأن الطلاب هم الأكثر إقداماً على الانتحار مقارنة بغيرهم، بما يتسق مع بيانات منظمة الصحة العالمية حول اعتبار الانتحار ثاني سبب للوفاة لدى من تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً.
على من نلقي باللوم؟
وعدد تقرير مركز "دفتر أحوال للتوثيق والأرشفة" أسباب الانتحار ما بين المشاكل الأسرية والصدمات النفسية مرورا بالظروف الاقتصادية.
وبرغم حديث البعض عنكون الصعوبات المالية الدافع الرئيسي للانتحار، يشير الأخصائي النفسي محمد الرخاوي إلى غياب الأدلة العلمية التي تؤكد على هذا الرأي.
وطبقاً لتقرير مركز "دفتر أحوال"، والذي اعتمد بشكل كبير على الحالات المعروضة من خلال وسائل الإعلام، احتلت المشاكل الأسرية المركز الأول في أسباب الانتحار، تلتها الأسباب المرضية، لتأتي الأزمات المالية في المركز الثالث.
"رسالة خلف الانتحار"؟
وفي حوار أجرته DW عربية، شرحت استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب في جامعة القاهرة، الدكتورة علا أسامة، الأسباب التي تدفع البعض دون غيرهم إلى الانتحار بالرغم من معاناة الجميع من ذات الظروف القاسية.
تقارن أسامة بين الحزن والاكتئاب حيث تؤكد على كون "الحزن رد فعل طبيعي على مواقف معينة" بينما يعد الاكتئاب "اضطرابا نفسيا له أعراض مرضية قد تصل إلى فقدان الشخص الرغبة في الحياة". وتضيف: "الانتحار قد يقع أيضا بسبب عوامل شخصية أو اجتماعية أو وراثية كالإصابة بأمراض مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب، بالإضافة إلى الإدمان".
أما الرخاوي فيشير إلى نوع أخر من الانتحار وهو "انتحارالغضب" بهدف توصيل رسالة ما قد تكون سياسية أو اجتماعية أو شخصية، ويقول: "بعض محاولات الانتحار قد تكون فقط بهدف الحصول على الاهتمام أو كمحاولة لطلب المساعدة".
ويحذر الرخاوي مما وصفه بـ "ثقافة الرفاهية" التي تجنب الفرد التعامل مع الألم بجميع أشكاله، على حد وصفه، إذ يؤكد على ضرورة التسليم بكون الألم جزء من حياتنا لا يجب الهروب منه لتجنب الانهيار وردود الفعل المبالغ فيها.
سلمى حامد