ألعاب الإنترنت: وسيلة لغسل أموال المافيا
٣ فبراير ٢٠١٣تكسب المافيا من الاتجار بالبشر والدعارة الإجبارية وتجارة المخدرات قدراً لا يستهان به من الأموال، فوفقاً للأمم المتحدة تحصل الجريمة المنظمة على 2.1 مليار دولار سنوياً. لكن كل هذا الكم الهائل من المال لا معنى له إذا لم يتم وضعه في إطار قانوني للاستخدام. ولذلك فإن غسيل الأموال له ثقل مهم لدى شبكات المافيا. عن ذلك يقول عالم الاقتصاد إنغو فيدلر في حوار له مع DW: "انعدام غسيل الأموال يعني ضمنياً انعدام وجود المافيا". ويعتقد الخبراء أن المافيا تستخدم أبسط وأسهل الوسائل لغسيل الأموال، وألعاب الحظ في شبكة الإنترنت من أهم هذه الوسائل.
ألعاب الحظ في يد المافيا
استقطاب المال النظيف عبر استخدام المال المتسخ، وما من فرصة لتحقيق ذلك كألعاب الحظ. وحسب فيدلر فإن العديد من شبكات الجريمة المنظمة أصبحت تشتري أو حتى تنشئ هذه الألعاب لتحقيق غاياتها. وفي الغالب تكون مقرات هذه الشركات القائمة على هذه المواقع في ما يسمى بـ"واحات التهرب الضريبي والقانوني". وبما أنه يصعب التحقق من حقيقة وجود اللاعبين من خلال الجهات الرسمية، فإنه من السهل التلاعب بهذه الأموال وتداولها. ويضيف فادلر قائلاً: "تبادل المعلومات بين الجهات المختصة في الدول المختلفة أمر غير وارد. ولذا يصعب التحقق من مصدر هذه الأموال. أما بالنسبة لملكية هذه الشركات الراعية والمؤسسة لألعاب الحظ وكازينوهات الإنترنت، فمن السهل جعلها قانونية".
هناك علامات تدل على نشاط المافيا الإيطالية في ألمانيا من خلال ألعاب الحظ المتوفرة على الإنترنت. فقد تم رصد تدفق هائل للأموال بين إيطاليا وألمانيا، ما دفع السلطات المختصة إلى فتح استجواب علني من قبل اللجنة المالية ومدعي الدولة العام وملاحق المافيا روبرتو سكاربناتو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. واعترف 45 من شهود المافيا في جلسة الاستماع بأن ألمانيا أحد البلاد التي تغسل فيها المافيا أموالها، خاصة من خلال ألعاب الحظ وغيرها في الإنترنت.
فوضى قانونية
حضر الخبير السويسري أندرياس فرانك كلمة للمدعي العام الإيطالي، ألقاها في برلين. يقول فرانك: "رغم وصفه الدقيق للمشكلة، لم يكن للحدث أي صدى بين الساسة". وحتى اليوم لم تعلن وزارة المالية عن أي رد فعل على صعيد غسيل الأموال، أي أن الدولة تركت هذه المعضلة بيد الولايات الألمانية دون أي تدخل.
منذ عام 2007 تهتم كل ولاية على حدة بما يُعنى بألعاب الحظ المتواجدة في الإنترنت وهو قرار له الكثير من التبعات، فمثلاً قامت ولاية شليسفيغ-هولشتاين الألمانية باتخاذ إجراء منفرد، إذ أعلنت في 2012 عن أن ألعاب الحظ الموجودة على صفحات إنترنت من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي قانونية، إلا أن سياسيي الولاية تراجعوا عن هذا القرار في غضون عام. ففي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي أعلنت حكومة الولاية إنهاء فعالية القرار السابق ذكره، إلا أن الشركات الحاصلة على رخص ألعاب الحظ في الإنترنت لن تتخلى عن حقوقها بهذه السرعة. ولذا فإن الألمان يفوزون ويخسرون اليوم بألعاب الحظ هذه من خلال شركات "مرخصة" وأخرى سبق لها أن حصلت على رخص في السوق السوداء أو غيرها.
أما بالنسبة لحل فعال ضد غسيل الأموال وأنشطة المافيا، فهو من المحال على حد قول أندرياس فرانك. حتى التدخل السياسي الأخير المتعلق بتحديد وإتمام قانون منع غسيل الأموال الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2012 غير كاف لحل المشكلة، وفقاً لفرانك. فالقانون الجديد لا يوضح ولو بكلمة واحدة كيفية سد طريق ألعاب الحظ غير القانونية.
الشرطة عاجزة
قد يعتقد المرء نظرياً بإمكانية السيطرة على القائمين على ألعاب الحظ القانونيين وملاحقة الخارجين عن الضوابط القانونية منهم، إلا أن واقع الأمر خلاف ذلك وفقاً لسباستيان فيدلر من اتحاد الشرطة الألمانية. ويوضح فيدلر قائلاً: "ليس لدينا إجراءات جنائية ضد ألعاب الإنترنت غير القانونية". وحتى الدعم السياسي لا يجد طريقاً، فقلما يتم إجراء تدريب لملاحقة مزودي الألعاب غير القانونية، كما يندر تخصيص جهة محددة لملاحقة غاسلي الأموال. وهكذا يستمر مشوار غسيل الأموال في ألمانيا، في حين تراقب الشرطة دون إبداء أي تحرك خوفاً من أن يكون اتهامهم غير مستند إلى أرضية قانونية.
إلا أن نظرة الحيرة هذه في أعين الشرطة مطلوبة سياسياً، يقول عالم الاقتصاد إنغو فيدلر. فمن أجل إصدار قانون من الإتحاد الأوروبي يحظر ألعاب الحظ في الإنترنت، لا بد من انتشار قاعدة مشتركة لعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهذه عجز الشرطة هذا يساعد على نشر ثقافة عدم الأمان والحاجة لمثل هذا القانون.
في العام المنصرم لم السلطات الألمانية بأي شكوى من تقديم الرخص لمواقع ألعاب الحظ في الإنترنت، حتى وإن تعلق الأمر بقرار فردي من قبل ولاية شليسفيغ-هولشتاين، ما قد يكون دافعاً لمحكمة العدل الأوروبية بالشك في تبرير هذا القرار. في نهاية يناير/ كانون الثاني 2013 أرسلت المحكمة الاتحادية الألمانية طلباً رسمياً لمحكمة العدل الأوروبية للنظر في هذا القانون. وإذا ما قررت المحكمة الأوروبية رفض هذا القانون، سيكون على السوق الألماني أن يفتح أبوابه لمواقع ألعاب الحظ على مصراعيها.