هل أصبحت ألبانيا كولومبيا أوروبا؟
٨ يناير ٢٠١٧طريق مبللة بسبب الأمطار الأخيرة تقود إلى صف من الثكنات العسكرية سابقاً قرب مدينة "ريزن" شمال ألبانيا. الظلام بدأ يعم المكان، والنساء بحاجة إليه للتستر من أجل الحديث بينهن بدون خوف. فمنذ اكتشاف الشرطة لما يسمى معمل المخدرات قبل بضعة أسابيع في مكان عملهن، بدأ خوف كبير يراودهن. واكتشفت الشرطة أنه يتم زرع، وتنقية، وتجفيف وتعليب 4،2 طن من القنب الهندي داخل مزرعة سابقة للدجاج.
ميرا وريتا (اسم مستعار) كانتا عاطلتين عن العمل قبل بدء العمل في تلك المزرعة مقابل عشر يورو يومياً. تقول ميرا بلكنة غاضبة: "سواء صدقتموني أم لا، نحن كنا نعمل هناك من أجل كسب القوت اليومي لأطفالنا". ميرا (50 عاماً) تتملكها مشاعر غضب من الحكومة التي تركتها تعيش حالة فقر، على حد تعبيرها. لكنها غاضبة أيضا من الشرطة. "فرجال الشرطة يكسبون أكثر منا". تضيف ميرا الغاضبة أيضاً من أباطرة المخدرات. "قيل لنا أن ما نزرعه هو نبتة الميرمية". وأقسمت أنها لم تكن تعرف في البداية أن الأمر يتعلق بالحشيش.
أما ريتا، وهي امرأة شابة، فتقول إن زوجها يقبع في السجن. وأشارت إلى ابنتها ذات الخمس سنوات قائلة إنها كانت مسرورة بعد العثور على العمل. "لم أكن أعرف شيئا حتى رأيت الشرطة في الداخل" تضيف ريتا. وحتى إذا كانت هناك شكوك حول علمهما بالمخدرات داخل المزرعة، إلا أن المرء يصدق فوراً ما مدى سعادتهن بالعمل الجديد. فنظرة سريعة في اتجاه الثكنة كافية لتصديقهما. السقف في الداخل يقطر ماءً والتدفئة غائبة، وفي الخارج توجد أكوام مكدسة من القمامة.
فشل الوعود الحكومية لدعم الفقراء
وعلى الرغم من الوعود التي قدمتها الحكومة الألبانية برئاسة رئيس الوزراء أيدي راما للحد من الفقر في البلاد، إلا أنها فشلت في ذلك. نسبة البطالة مرتفعة والمساعدات الاجتماعية منخفضة جدا تصل إلى 75 يورو شهريا فقط لكل أسرة. فهل هذا هو السبب الذي يدفع العديد من المزارعين الألبان والعاطلين عن العمل لزراعة القنب الهندي أو العمل في هذا المجال؟. وبالنسبة للوليزم باشا، رئيس الحزب الديمقراطي المعارض ف"الآلاف من الألبان ليس لديهم بديل لغياب التدابير الاجتماعية والاقتصادية للحكومة لدعم المناطق الريفية". ويضيف باشا "الناس لديهم خياران إما حرمان أطفالهم من القوت اليومي أو العمل في زراعة المخدرات. العديدون يتجهون للخيار الثاني".
وبالنسبة لأباطرة المخدرات فيبدو أن العثور على عمال لزراعة، وتجفيف، وتعبئة، وتغليف القنب عملية سهلة. وهذا النوع من العمل لا يدر بالأرباح فقط بالنسبة للمساعدين البسطاء. وحسب معلومات توصلت إليها DW بعد بحث قامت به، فمزارع القنب يجني من الأرباح حوالي 200 يورو للكيلوغرام الواحد في حال لم توقفه الشرطة. ويتم زراعته غالبا في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها. كما أن بعض المزارعين القنب لديهم شبكات ري خاصىة ويحمون حقولهم بالأسلحة.
توزيع جغرافي يحيل دون تدمير كل حقول القنب
ويمكن إطلاق عام 2016 بأنه عام القنب الهندي. ووفقا للشرطة الألبانية فقد تم تدمير أكثر من 2.5 مليون نبتة القنب، ورصدت 5204 من حقول القنب. والجديد في البلاد هو الانتشار الجغرافي للزراعة في جميع أنحاء البلاد. وحسب المحلل السياسي الألباني ألكسندر كيبا فتجار المخدرات غيروا استراتيجيتهم. "كلما ازاداد عدد الحقول المدمرة من طرف الشرطة، ازدادت زراعة المزيد من القنب في عام 2016. كما أن التوزيع الهائل في عموم البلاد يساعد أباطرة المخدرات على انقاذ العديد من حقول القنب".
وتتهم المعارضة الحكومة بكون ازدهار زراعة القنب هو بسبب تحالف بين بعض جهات حكومية ونشطاء في الجريمة المنظمة. ويرى ألفيس نابولي، رئيس تحرير قناة "روزافا" في شكودرا، التي حصلت مؤخرا على جائزة التميز في التحقيق الصحفي، أن زراعة القنب الهندي في ألبانيا له تاريخ عريق. ويضيف أن تجارة المخدرات تشكل خطرا على المزارعين البسطاء وليس على أرباب المخدرات. "هناك أفراد أقوياء يتحكمون في هذا القطاع من خلال صلاتهم القوية بجهات في الحكومة، بدء من شرطي بسيط إلى آخر عضو في هذه السلسلة. والحقول التي تقع تحت حماية خاصة، لا تتأثر".
شبهات حول تورط الشرطة وأطراف حكومية
بالنسبة لألتين كاتو، المدير المسؤول عن الأمن في الشرطة، فهو يريد إضاءة الظلال الداكنة بخصوص مسؤولية الشرطة الألبانية. وقال في حوار مع DW: "الشرطة تعمل في بيئة صعبة. رغم أن هناك حالات معزولة من تورط الشرطة، ولكن هذا ليس ظاهرة عامة. لدينا 9000 شرطي في فرقة عمل لمكافحة المخدرات في عام 2016، وتم رصد 40 حالة فقط لأفراد شرطة قدموا مساعدة في إنتاج المخدرات والاتجار فيها، وألقي القبض على ثمانية من رجال الشرطة".
والآن حل البرد القارس في البلاد. وتقارير وسائل الاعلام عن حقول القنب الهندي أصبحت أقل. بدل ذلك تكتب باستمرار عن عمليات ضبط المخدرات. ويحاول مهربوها إيصالها إلي أوروبا عبر البحر الأدرياتيكي ومسارات سرية أخرى عبر الجبل الأسود وصربيا. ودقت المعارضة الألبانية ناقوس الخطر لأن البلاد "أصبحت كولومبيا أوروبا".
لكن ريتا وميرا لن تهتمان كثيراً بهذه التحذيرات الصادرة من المعارضة. وبالنسبة لهما وللعديد من الأشخاص الآخرين في ألبانيا فالأهم هو البقاء على قيد الحياة. "إذا أتيحت لنا مرة أخرى الفرصة للقيام بهذا العمل سوف نفعل ذلك مرة أخرى". كما يقولان. وفي المرة الأولى أفرجت الشرطة عن ريتا وميرا لزعمهما أنهما "لا يعرفان شيئا". لكن ماذا سيكون مبررهما في المرة الثانية؟.
أرابي لينديتا / عبد الرحمان عمار