أفغانستان ـ ثروات ضخمة بيد طالبان تركها الغرب هدية للصين
٢٠ أغسطس ٢٠٢١
تتمتع أفغانستان بميزة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، وهو ما سيجعل حركة طالبان بعد سيطرتها الثانية على السلطة في البلاد محل اهتمام الدول التي تتطلع للاستثمار في هذ البلد.
ففي عام 2010، أشار تقرير أعده مجموعة من الخبراء العسكريين والجيوسياسيين من الولايات المتحدة، إلى أن أفغانستان التي تعد أحد أفقر بلدان العالم، تمتلك ثروة معدنية تقدر بقرابة تريليون دولار أي ما يعادل 820 مليار يورو بسبب ما تذخر به من خام الحديد والنحاس والليثيوم والكوبالت ومعادن أخرى.
وقد ارتفعت قيمة هذه المعادن بشكل كبير على وقع التحول والتوجه العالمي صوب الطاقة النظيفة. وخلال العقد الماضي، لم يتم استغلال هذه الموارد والثروات الطبيعية بسبب الصراع الذي مزق أفغانستان.
وفي عام 2017، قال تقرير صادر عن الحكومة الأفغانية إن الاكتشافات المعدنية الجديدة في العاصمة كابول بما في ذلك الوقود الأحفوري تصل قيمتها إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار.
تزامن هذا مع الطلب العالمي غير المسبوق على الليثيوم الذي يُستخدم في صناعة البطاريات داخل السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الحاسب الآلي المحمولة، بنمو سنوي يصل إلى نسبة 20 بالمائة مقارنة بنسبة كانت تتراوح ما بين 5 إلى 6 بالمائة في الأعوام القليلة الماضية.
ودفع هذا الأمر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى القول بأن ما تمتلكه أفغانستان من الليثيوم يشبه ما تمتلكه السعودية من احتياطات النفط العالمية، إذ توقع البنتاغون أن رواسب الليثيوم الوفيرة في أفغانستان قد تتساوى مع ما تمتلكه بوليفيا التي تعد واحدة من أكبر مصادر استخراج الليثيوم في جميع أنحاء العالم.
وسيشهد خام النحاس أيضا انتعاشا اقتصاديا بعد التعافي من وباء كورونا بزيادة تصل إلى 43 بالمائة مقارنة بالعام المنصرم.
وفي هذا الصدد، يمكن تحقيق أكثر من ربع الثروة المعدنية المستقبلية لأفغانستان من خلال توسيع أنشطة تعدين واستخراج خام النحاس.
الصين وباكستان تبديان رغبة كبيرة
وفي الوقت الذي هددت فيه الدول الغربية بعدم العمل مع طالبان عقب سيطرتها على العاصمة كابول، تتزاحم الصين وروسيا وباكستان للبدء في تدشين أعمال تجارية مع طالبان ما يزيد من إذلال الولايات المتحدة وأوروبا على الساحة الدولية على خلفية سقوط أفغانستان.
ونظرا لأن الصين تعد الدولة التي تصنع نصف البضائع الصناعية في العالم فهي تعمل على تأجيج الطلب العالمي على هذه السلع.
ومن المرجح أن تقود الصين – التي تعد حاليا أكبر مستثمر أجنبي في أفغانستان- السباق لمساعدة أفغانستان في بناء نظام تعدين فعال لتلبية احتياجاتها الكبيرة من المعادن.
وفي مقابلة مع DW، قال مايكل تانشوم، زميل بارز في المعهد النمساوي للسياسة الأمنية الأوروبية، إن سيطرة طالبان على أفغانستان "تزامنت مع نشوب أزمة في المعروض من هذه المعادن في المستقبل المنظور فيما تحتاج الصين إلى هذه المعادن".
وأضاف "الصين بدأت تخطو خطواتها داخل أفغانستان من أجل تعدين هذه المعادن".
الجدير بالذكر أن شركة ميتالورجيكال الصينية – التي تعد واحدة من أكبر شركات التعدين في آسيا- حصلت بالفعل على عقد انتفاع لمدة 30 عاما لتعدين النحاس في مقاطعة لوغار القاحلة في أفغانستان.
ومع ذلك، يتساءل الكثير من المحليين حيال ما إذا كانت طالبان تمتلك الكفاءة والرغبة في استغلال ثروات أفغانستان الطبيعية بالنظر إلى الأموال الطائلة التي تجنيها الحركة من تجارة المخدرات.
وفي هذا السياق، قال هانز جاكوب شندلر – مدير مشروع مكافحة التطرف (CEP) – إن هذه الثروات الطبيعية والمعادن "كانت موجودة في التربة منذ تسعينات القرن الماضي، ولم تتمكن طالبان من استخراجها".
وفي مقابلة مع DW، أضاف "يتعين على المرء أن يظل متشككا بشكل كبير حيال قدرة طالبان على إحداث نمو في الاقتصاد الأفغاني أو حتى وجود الرغبة في ذلك".
يشار إلى أنه جرى لقاء بين مسؤولين كبار في طالبان الشهر الماضي ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في مدينة تيانجين الصينية حيث قال رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني بارادار إنه يأمل في أن تلعب الصين "دورا أكبر في إعادة إعمار (أفغانستان) وتحقيق تنمية اقتصادية في المستقبل".
وقالت الصين مؤخرا إنها مستعدة للبدء في "علاقات ودية وتعاونية" مع طالبان وذلك في الوقت الذي كانت تستعد فيه الحركة لإعادة اسم أفغانستان القديم بإعلانها قيام "إمارة أفغانستان الإسلامية".
طريق الحرير.. كلمة السر
وفي غضون ذلك، سلط الإعلام الصيني الرسمي الضوء على الاستفادة التي يمكن أن تحققها أفغانستان من مبادرة الحزام والطريق الضخمة التي أطلقتها الصين وهي مشروع ضخم مثير للجدل للتجارة والبنية التحتية لربط آسيا بأوروبا من خلال سلسلة من الموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق.
لكن يجب التعاطي مع المخاوف الإقليمية إذ قد تكون شبكة خطوط الأنابيب التي تزود الصين بالكثير من النفط والغاز، في دائرة الخطر في حال امتداد أعمال العنف إلى دول آسيا الوسطى الأخرى.
كذلك تخشى الصين من أن تصبح أفغانستان ملجأ للعناصر التي تصفها بكين بالمتشددة والانفصالية من أقلية الإيغور المسلمة فضلا عن قلق الصين من تقويض مصالحها الاقتصادية جراء استمرار العنف داخل أفغانستان.
وفي تعليقه على هذا الأمر، أوضح تانشوم – وهو أيضا زميل زائر في معهد الشرق الأوسط المعروف اختصارا بـ MEI – أن عمليات التعدين الخاصة بشركة ميتالورجيكال الصينية "قد عانت كثيرا جراء حالة عدم الاستقرار في أفغانستان بسبب القتال بين طالبان والحكومة الأفغانية السابقة".
وأضاف تانشوم "إذا استطاعت طالبان أن توفر للصين ظروف عمل مستقرة، ففي هذه الحالة يمكن أن تدر عمليات تعدين النحاس وحدها عائدات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وهو الأمر الذي سيحفز تطوير عمليات التعدين الخاصة بالمعادن الأخرى في أفغانستان".
وحتى اليوم، لم تحقق الحكومة الأفغانية أي أرباح من مشاريع التعدين الحالية إذ أشار تقرير لقناة الجزيرة القطرية إلى أن الحكومة الأفغانية كانت تخسر 300 مليون دولار سنويا.
ولا تتوقف الرغبة الدولية في الاستفادة مما تذخر به أفغانستان من ثروات معدنية على الصين، إذ تستعد باكستان في الجوار الأفغاني للانخراط في هذا السباق بالنظر إلى أن إسلام أباد قد حافظت على علاقات جيدة مع طالبان خلال الوجود الأمريكي في أفغانستان ما دفع واشنطن في حينه إلى اتهام باكستان بإيواء مقاتلي طالبان.
ومن المتوقع أن تكون باكستان – التي ساعدت طالبان في السيطرة على أفغانستان عام 1996- من أكبر المستفيدين من طريق الحرير الصيني.
وفي هذا السياق، قال تانشوم إن لدى باكستان "مصلحة محققة إذ من المحتمل أن يتم نقل المواد على طول الطريق التجاري من باكستان إلى الصين".
وأضاف أن أبرام أي اتفاق مع طالبان من شأنه أن يعطي باكستان حافزا لإنشاء ودعم بيئة أمنية مستقرة في المنطقة.
الحاجة للاستقرار ولنظام تعدين فعال
ورغم المكاسب المالية، إلا أن قادة أفغانستان الجدد من حركة طالبان لا يزال أمامهم عمل شاق من أجل استخراج ثروات البلاد المعدنية إذ أن بناء نظام تعدين فعال في أفغانستان التي تعد إحدى دول العالم الفاشلة قد يستغرق سنوات.
وهذا يعني أن الاقتصاد الأفغاني ربما سيظل يعتمد على المساعدات الدولية في المستقبل المنظور رغم أن الكثير من الحكومات الغربية بما في ذلك ألمانيا قررت وقف مساعدات التنمية في محاولة للضغط على طالبان وكبح جماحها.
ولا يتوقع الخبراء أن يتحسن الوضع الأمني في أفغانستان بين ليلة وضحاها فيما لا تزال تئن البلاد تحت وطأة فساد مستشر ربما قد ساعد في سيطرة طالبان على البلاد بشكل سريع إلا أن هذا الفساد من شأنه أن يعيق تدفق الاستثمار الأجنبي إلى أفغانستان.
كذلك فإن منظومة البنية التحتية في أفغانستان أضحت في حالة يرثى لها جراء عقود من المعارك والقتال فيما تفتقد البلاد أيضا لأي نظام قانوني.
ويرى هانز جاكوب شندلر – مدير مشروع مكافحة التطرف (CEP) – أنه في الماضي كانت "إحدى المشاكل الرئيسية أمام استخراج موارد أفغانستان تتمثل في ضرورة وجود جيش خاص لتأمين مشاريع التعدين ضد حركة طالبان."
وأضاف "الآن، قد انتهى هذا التهديد، لكن البنية التحتية غير موجودة وهناك حاجة ماسة إلى استثمارات واسعة النطاق في هذا القطاع".
وتواجه الولايات المتحدة وأوروبا – اللتان تعتمدان على واردات الصين من معادن الأرض النادرة – معضلة جديدة حيال أفضل السبل للانخراط مع طالبان فيما يتردد العديد من المستثمرين الغربيين في تقديم العطاءات في مناقصات خاصة بمشاريع الموارد الطبيعية بسبب المخاوف الأمنية وغياب سيادة القانون في أفغانستان.
وفي حالة انخراط الدول الغربية مع طالبان، فإنهم سوف يتعرضون لانتقادات كبيرة بسبب تجاهل انتهاك طالبان لحقوق الإنسان وإقدامها على الإطاحة بالحكومة الأفغانية وإنهاء الديمقراطية الوليدة في البلاد.
وفي حالة سيناريو الرفض، فإن الدول الغربية سوف تخسر سباق الاستفادة من ثروات أفغانستان المعدنية لصالح الصين وحلفاء طالبان التقليديين.
نيك مارتن