أعمى يصلح الدراجات والمدافئ ويشعر بالسعادة
٥ يونيو ٢٠١٤في شارع نابلس بمدينة رام الله، وبالضبط أمام مطعم سامر، الذي تناول فيه وزير الخارجية الاميركي شطيرة شاورما، يوجد محل الكفيف فايز محمد الشافعي. الرجل في السادسة والاربعين من العمر يأتي صباحا ويفتح محله ثم يعلق على واجهته دراجات ومدافئ وأفران الغاز. وبعدها يبدأ في أصلاح مدافئ معطلة أو دراجات هوائية في انتظار زبائن جدد.
أصابعه تتجه مباشرة الى "البراغي" فتفك هذا وتشد ذاك أو إنه يمسك بمدفأة، فيفتحها الى عناصرها الأولية، ويعيد تركيبها بأجزائها الصغيرة والكبيرة ومساميرها الدقيقة فتصبح صالحة للعمل من جديد. بعد كل عملية كهذه تعلو الابتسامة محيا " أبو ماهر" الذي ولد في أسرة لاجئة من مدينة اللد. بعد استقرارالأسرة في البيرة المجاورة لرام الله، افتتح والده محلا لصناعة أفران الغاز وتصليح مدافئ الغاز والمازوت والسولار. ولد فايز بعد عام من حرب 1967، التي احتلت فيها الضفة الغربية. كان بصر الطفل طبيعيا حتى سن السادسة، ثم تراجع بشكل تدريجي الى ان أصبح أعمى بالكامل بعد عشر سنوات. كان ماهر يعمل خلال تلك الفترة عند والده وجده في المتجر. فتعلم فنون الصنعة، وبعدما فقد بصره تماما، لم يتمكن أطباء وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة من علاجه، كما لم تنجح ايضا العيادات الحكومية والخاصة في الحد من إعاقته. "لم أتقبل الامر في البداية، لكن حنان والدي ووالدتي وتشجيعهما المتواصل لي، جعلني أتعايش مع الأمر وأتقبل بأنني ساعيش هكذا إلى الأبد، أو الى حين حصول معجزة طبية" ويضيف فايز مستدركا: "أنا أتابع التطورات العلمية عالميا في علاج الشبكية، حيث إن مرضي هو انعزال الشبكية التدريجي، إذ تجف الشرايين التي تغذيها باستمرار الى أن تنعدم الرؤية وأنا لا أزال أتذكر الألوان والأشكال رغم مرور خمسة وثلاثين عاما على فقدان بصري.
رحلة مع الظلام والموسيقى
كان فايز منذ سن الثالثة يترنم بكلمات الأغاني التي يسمعها، وكان والده يشجعه على الإلقاء، ومع الأيام أصبح "مطرب العائلة". ففي كل مناسبة يصدح بصوته أمام الجمع وتنهال التشجيعات. " كنت أشعر وكأني عبد الحليم حافظ أو عبد الوهاب أو فريد الأطرش وأنا أتلقى إيماءات الاعجاب والاستحسان ، قبل أن أفقد بصري وحتى بعد ذلك" ويشير فايز الشافعي إلى أنه يغني من باب الهواية وليس الاحتراف. فرزقه الأساسي من العمل في المتجر طوال النهار. وقد تعرف على اصدقاء من محبي الفن، حيث يحيون حفلات غناء في الأعراس ومناسبات التخرج وغيرها باسعار زهيدة. كما تعلم فايز العزف على الأورغ بصورة أساسية وكذلك على العود.
الدراجة والمدفأة وحكاية التنمية
ويحكي الشافعي أنه تسلم المحل بعد وفاة والده وأنه تقاسم التركة مع إخوته، فكان نصيبهم الآلات التي تصنع المدافئ والأفران، وكان نصيبه المحل كمعرض وموقع للصيانة والتصليحات. ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من شراء آلات جديدة، إذ يبلغ سعرها خمسة وعشرين ألف دولار. وتحدث عن جمعيات التنمية والقروض الصغيرة التي تشجع المستثمرين ولاحظ "إنهم جميعا يشترطون فائدة عالية تجعل هامش الربح بسيطا، رغم الكلام عن التنمية الاقتصادية وتشجيع المنتج الصغير، فهم لا يختلفون عن البنوك في أي شيء". وقام فايز الشافعي بتعليم أبناءه على حسابه الخاص، فماهر الكفيف أيضا أنهى قبل عامين الدرجة الجامعية الاولى في اللغة الانجليزية والترجمة الفورية بجامعة بيرزيت ولم يجد فرصة عمل حتى الآن، رغم القوانين التي تخصص نسبة خمسة بالمائة من الوظائف لذوي الاعاقة. وهوأيضا يعيش من المشاركة في إحياء الافراح كعازف على كل الالات تقريبا وكمغن. ويحلم ماهر بالحصول على منحة لإكمال الدكتوراة في الولايات المتحدة. أما أخته شروق، الكفيفة أيضا، فهي تواصل تعليمها في بيرزيت. وبالنسبة لأخيهما الاصغر محمد وهو الوحيد المبصر فقد رفض مواصلة التعليم ، حيث يقول:" رأيت أخي وغيره من المبصرين يدرسون أربع سنوات ويصبحون عاطلين عن العمل، فقلت لنفسي من الأحسن أن أغادر المدرسة واشتغل مع أبي أو مع غيره".
الفقر وغناء الروح
لا يعلق فايز الشافعي أملا على الحكومة الفلسطينية ولا على المنظمات غير الحكومية ولا على اتحادات المعاقين. فجميعهم خذلوه، كما يقول، وهو يعتمد تماما على نفسه كتقني يجيد مهنته "التي تكفيه شر حياة التسول". ويؤكد فايز أن لديه الشعور بأنه غني، فهو يتابع الأحداث السياسية والتطورات العلمية والفنية، ويمارس "الموسيقى التي تصفي روحه وتنقي وضعه النفسي". فلا تراه عابسا أبدا، ولا تسمعه يشتم الحظ او القدر، بل إنه يحكي النكات ويتبادلها مع الأصدقاء والعائلة بابتسام وسرور.