أطباء ألمان يرصدون "غيوما غريبة" في الرئة لدى مرضى كورونا
٢٥ أبريل ٢٠٢٠. جينوم الفيروس ـ مصدر الارتباك الأول
. بداية الفهم ـ التمايز مع فيروس سارس
. أوجه اختلاف الأعراض بين كورونا والإنفلونزا العادية
. "غيوم ساطعة غريبة" على حافة الرئتين
. بؤر الالتهاب تمتص كميات هائلة من الدم
. الرئة عضو قادر على الالتئام حتى بعد التهاب شديد
. الفيروس قادر على إلحاق أضرار دائمة بالرئة
مصدر الارتباك الأول ـ جينوم الفيروس
بدأت جائحة كورونا بارتباك كبير ليس فقط على مستوى القرار السياسي ولكن أيضا لدى الأطباء وخبراء الفيروسات أنفسهم. والسبب يعود لسوء فهم جينوم الفيروس (الشريط أو المحتوى الوراثي). الذي كان لا يزال مجهولا تمامًا بل ويتشابه إلى حد كبير مع جينوم فيروس سارس الذي كان معروفا لدى الخبراء، الذين اعتقدوا في مرحلة ما أن الفيروسين لهما سلوك وتفاعلات مماثلة في جسم الإنسان.
وبهذا الصدد كتبت إيرين بيريس، محررة الشؤون الطبية لدى "شبيغل أونلاين" في مقال نشره الموقع يوم السبت (17 أبريل / نيسان 2020) أنه "حتى كريستيان دروستن، (كبير خبراء الفيروسات الألمان ويعمل في مستشفى شاريتيه في برلين) اعتقد في مرحلة أولى أن قوة عدوى الفيروس ليست كبيرة جدا. واعتقد الخبراء أنه يستهدف بشكل رئيسي الجهاز التنفسي السفلي وبالتالي على الفيروس أن يجتاز كل الحواجز ويصل أولا إلى الرئتين قبل أن تحدث العدوى. غير أن الإصابات الأولى التي سُجلت في ألمانيا أتبت للأطباء والخبراء أنهم كانوا على خطأ".
بداية الفهم ـ التمايز مع فيروس سارس
بسرعة، برهن فريق متخصص تحت إشراف كريستيان دروستن أن هناك إمكانية لاستخلاص عينات من فيروس كوفيدـ 19 وجعلها تتكاثر في المختبر. وهذه خاصية لم تكن متاحة أبدا مع فيروس سارس. الباحثون الألمان فهموا بسرعة بأن هذه النتيجة ربما ليست انجازا علميا باهرا، وإنما دليلا نهائيا بأن الأمر يتعلق بفيروس جديد تماما لا يستهدف الجهاز التنفسي السفلي فحسب وإنما يستقر أيضا في الحلق.
المفارقة أن هذا الاكتشاف المبكر أظهر "خطورة وعدم خطورة" الفيروس في نفس الآن، لأن "الانتقال من حلق إلى حلق أقصر بكثير من الطريق بين رئتين" كما أوضحت بيريس. وبالتالي يكون كوفيد ـ19 في قوة وعدوانية العدوى أكبر من فيروس سارس. ولكن في الوقت ذاته يشكل خطورة أقل على معظم الناس لأن التهابات الجهاز التنفسي العلوين يمكن أن تكون مزعجة ولكنها ليست خطيرة أبدًا. من الناحية الإحصائية المحضة، تبين أنه من النادر أن يتمكن فيروس كورونا من اختراق الرئتين والتسبب هناك في التهابات (النسبة لا تتعدى 2 بالمائة من مجموع المصابين المكتشفين).
أوجه اختلاف الأعراض بين كورونا والإنفلونزا العادية
في حالات الإنفلونزا العادية يشعر المرضى بتدهور مفاجئ لحالتهم الصحية. أما المصابين بكوفيدـ 19 فلا تظهر عليهم إلا أعراض خفيفة في البداية، كالسعال أو الإحساس بخدش في الحلق، وبعضهم قد يعاني من الحمى أو الإسهال. وبعد أسبوع فقط، يمكن أن تتدهور الحالة بسرعة، لذلك يتعين الذهاب حينها فورا إلى المستشفى.
ويُقر الأطباء الألمان بعدم فهم أسباب هذا الاختلاف حاليا. رغم أن المنطق يدفع للاعتقاد بأن الفيروس ينتقل من الحلق إلى الرئتين، بدليل أن الفيروس ينعدم بالتقريب في الحلق ويصبح غير قابل للرصد في الحالات الحرجة عند المرضى الذين يعانون من الالتهاب الرئوي.
وبمجرد وصول الفيروس إلى الجهاز التنفسي السفلي، فإنه يعمل على اختراق خلايا الرئة، ما يؤدي إلى ضرر أولي بالغ. فيبدأ جهاز المناعة في محاربة العدو المقتحم، فتلتهب أنسجة الرئة، ولكن بشكل مختلف وغريب تماما عما ألفه الأطباء في الالتهابات الرئوية العادية.
"غيوم ساطعة غريبة" على حافة الرئتين
من بين الأعراض غير العادية في معاناة بعض المصابين بكوفيدـ 19 نقص كبير في الأكسجين، رغم شعورهم بقدرتهم على التنفس بشكل طبيعي. والسبب عجز الرئتين عن العمل بالشكل الصحيح. ونقلت بيريس عن مجلة "إنتنسيف كير ميديسن" الطبية المتخصصة، مُلخصا لنقاش علمي بين مجموعة من الأطباء من الألمان والإيطاليين والبريطانيين من (غوتنغن وتورينو ولندن)، مفاده أن السبب في ذلك يعود لكون الرئة في حالة كوفيدـ 19 تتمطط بشكل غير عادي، على الرغم من بؤر الالتهاب فيها.
في حالات الالتهاب الرئوي الحاد العادي، تتراكم السوائل بكميات كبيرة في الرئة، ما يجعل الأنسجة أثقل وأكثر صلابة. ويشعر المرضى بصعوبة في التنفس كأنهم يقاومون قوة قاهرة. هذا ينطبق أيضًا على مرضى كورونا ولكن فقط في حالات الالتهاب الرئوي الحرج والمتقدم. وهذا ما دعا الدكتور ميشائيل بفايفر، رئيس قسم أمراض الرئة في مستشفى دوناوستوف الألماني إلى القول بأنه من "المحتمل جدًا أن تتجمع كمية أقل بكثير من السوائل في الرئتين في المرحلة الأولى من فيروس كورونا المستجد، مقارنةً بالالتهاب الرئوي الكلاسيكي".
وأضاف الدكتور بفايفر أن صور الأشعة المقطعية تظهر على شكل غيوم بيضاء ساطعة، ما يشير إلى احتباس السوائل في الرئة. وهي مناطق ليست كثيفة لدى مرضى كوفيد- 19 كما هو الحال في الالتهاب الرئوي الكلاسيكي. وحتى في الحالات المتقدمة يمكن رؤية مناطقة داكنة مليئة بالهواء. المثير أيضا أن المناطق المضيئة توجد بشكل رئيسي على حافة الرئتين على شكل غيوم بيضاء.
بؤر الالتهاب تمتص كميات هائلة من الدم
يفترض الدكتور بفايفر أن السبب الثاني وراء نقص الأوكسجين في تصريح لـ"شبيغل أونلاين"، أن التنفس شبه الطبيعي لمرضى كوفيد ـ19 يعود لـ"بؤر الالتهاب المتعددة" التي تمتص كميات كبيرة من الدم بشكل غير عادي. وفي الوقت نفسه وبسبب تراكم السوائل يستحيل انتقال الأكسجين من الهواء إلى الدم. كما أن الأجزاء السليمة في الرئة لا تحصل على الكمية الكافية من الدم، وبالتالي ليس بمقدورها تعويض الأوكسجين المفقود. ويكون رد فعل الجسم في هذه الحالة زيادة إيقاع التنفس. وهو من بين الأعراض التي يأخذ بها الأطباء حاليا لتشخيص وتقييم الحالات الحرجة.
عندها، يبقى الحل الوحيد هو "التنفس الاصطناعي الذي ينقذ الأرواح (..) ولكن إذا استعمل بعد فوات الأوان، يكون لذلك تأثير سلبي على تطور المرض. وفي الوقت نفسه، فإنه يعني إجهادا كبيرا للجسم. ومن المهم تحديد اللحظة الصحيحة والمناسبة للجوء إلى التنفس الاصطناعي" على حد تعبير الدكتور بفايفر. وتعمل الجمعية الألمانية لطب الرئة والجهاز التنفسي حاليا على بلورة توصيات لمساعدة الأطباء على اتخاذ قرار اللجوء للتنفس الاصطناعي في الحالات الحرجة في الوقت الأنسب".
الرئة عضو قادر على الالتئام حتى بعد التهاب شديد
صحيفة "بيلد دير فراو" اهتمت بمناقشات الخبراء الألمان وكتبت تحت عنوان بارز "هذا ما يفعله كوفيدـ 19 بالرئة" (15 أبريل / نيسان 2020)، حيث استعرضت خبيرة شؤون الصحة سونيا أوتش، التحديات التي تعترض الأطباء لفهم آليات هجوم الفيروس على الرئة. وأكدت أنه بإمكان كل واحد فعل الشيء الكثير. مثلا الإقلاع عن التدخين، فالوظيفة الوقائية للأهداب الدقيقة حول خلايا الرئة تكون تحت ضغط مسبق عند المدخنين، ما يمنعها من أداء وظيفة تنظيف الرئة على أحسن ما يرام. إنها مشكلة عملية "التخلص من القمامة" كما يصفها طبيب أمراض الرئة في مدينة أولم الدكتور ميشائيل بارتسوك في حوار مع "بيلد دير فراو" واستطرد موضحا: "بعد تدخين السجائر، تتعطل عملية تخليص الرئة من الفضلات لمدة ثماني ساعات". ويعاني مرضى الربو والانسداد الرئوي المزمن والأشخاص في المناطق ذات تلوث الهواء العالي من مشاكل مماثلة".
ومع بعض التغييرات في نمط الحياة، يمكن دعم تطهير الرئتين وتجديد حمايتها، عبر ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة والأكل الصحي. فتعامل الجسم مع فيروس كورونا مرتبط إلى حد بعيد بمدى قوة نظام المناعة في الجسم.
الفيروس قادر على إلحاق أضرار دائمة بالرئة
ذكرت شبكة SWR الألمانية في تقرير لها نشرته على موقعها يوم (17 أبريل / نيسان 2020)، استنادا إلى أقوال أطباء ميدانيين، إلى أن كوفيدـ 19 يلحق مشاكل بالرئة حتى بعد زوال الفيروس. وبدأ فريق من أطباء شتوتغارت دراسة تعتمد على مئات الصور المقطعية المُحَوسَبة لرئات المرضى بالفيروس المستجد تشمل 150 مريضا.
وتسعى دراسة يُشرف عليها أخصائي الأشعة البروفيسور غونتر مارتن ريشتر من شتوتغارت، إلى فهم التبعات بعيدة المدى على الرئة عند المصابين بكل فئاتهم العمرية. "بغض النظر عن عمر المريض، فبمجرد وصوله للرئتين، يمكن للفيروس التسبب في أضرار خطيرة، خصوصا عند المدخنين ولكن أيضا عند مرضى القلب" حسب الدكتور ريشتر. وبهذا الصدد نشر موقع واتسون الألماني يوم (18 / أبريل نيسان 2020) مقالا مفصلا حول نفس الموضوع، أكد أنه إذا كان من الواضح أن مسار الفيروس في الجسم يختلف في شدته من مريض إلى آخر.، فلا يزال من السابق لأوانه التكهن بالعواقب طويلة المدى.
ومن الأخبار التي تدعو للقلق، ما لاحظه أطباء المستشفى الجامعي لمدينة إنسبروك على شكل تغييرات خطيرة مفاجئة عند ستة مرضى وهم غواصون نشطون، لم يتم علاجهم في المستشفى بسبب أعراضهم الخفيفة، ولكن تم علاجهم في البيت. الستة تعرضت رئاتهم لأضرار لا يمكن علاجها. ما أثار استغراب الجميع. وقال كبير أطباء المستشفى الدكتور فرانك هارتيغ "كطبيب طوارئ وحالات الاستعجال بخبرة عشرين عامًا.. عليك أولا ابتلاع ريقك، عندما ترى شيئًا كهذا لدى مريض عمره 40 عامًا فقط".
حسن زنيند