أزمة قد تطول - إخفاق سياسة التصالح بين فرنسا والجزائر
٤ أكتوبر ٢٠٢١تعتبر الجزائر أن انتقادات إيمانويل ماكرون لنظامها "السياسي-العسكري" لها خلفية "انتخابية"، لكن يرى خبراء أنها تعكس أيضا استياء الرئيس الفرنسي بعد الإخفاق الظاهر لسياسته لمصالحة الذاكرة بين البلدين.
وكانت الجزائر قد قررت السبت "الاستدعاء الفوري" لسفيرها في باريس، ردا على تصريحات نقلتها صحيفة لوموند اعتبر فيها ماكرون أن الجزائر قامت بعد استقلالها عام 1962 على "ريع الذاكرة" كرسه "النظام السياسي-العسكري"، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي. كذلك، أشارت مصادر عسكرية فرنسية الأحد إلى أن الجزائر منعت الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق فوق أراضيها ردا على تصريحات ماكرون.
لماذا تصاعد التوتر؟
برّرت الجزائر "الاستدعاء الفوري" لسفيرها في فرنسا محمد عنتر داود "للتشاور"، بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدلى بـ"تصريحات لا مسؤولة". وتفاقمت الأزمة الأحد مع إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.
وتحدثت الجزائر عن "تصريحات غير مكذّبة" للرئيس الفرنسي نقلتها صحيفة لوموند الفرنسية في مقال السبت أفاد عن عقد ماكرون الخميس لقاء مع أحفاد ممثلين لأطراف فاعلة في حرب استقلال الجزائر (1954-1962).
وتعود الأزمة الأخيرة الخطيرة إلى هذا الحدّ بين البلدين إلى 23 شباط/فبراير 2005 عندما أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يعترف بـ"الدور الإيجابي للاستعمار".
وعلى الرغم من إلغائه لاحقاً، تسبب هذا القانون بإبطال معاهدة الصداقة التي وقعها الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ونظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.
وشهدت العلاقات الثنائية توترات حادة أحدث: ففي أيار/ مايو 2020، استدعت الجزائر سفيرها صلاح البديوي على أثر بثّ فيلم وثائقي حول الحراك المناهض للنظام في الجزائر على قناتين فرنسيتين رسميتين.
وفي نيسان/ أبريل 2021، ألغى رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس في اللحظة الأخيرة زيارةً له إلى الجزائر بطلب منها، إذ إنها كانت مستاءة من حجم الوفد الوزاري الفرنسي.
"رئيسان لم يعاصرا حرب الجزائر"
يرى الخبير الجزائري في شؤون الهجرة حسن قاسمي أن إيمانويل ماكرون لديه قبل كل شيء هدف انتخابي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نيسان/أبريل 2022.
وأضاف أن "السياسيين في فرنسا (يتواجدون الآن) في خضم الحملة الانتخابية، ومن بينهم ماكرون أيضا"، وربط ذلك في تصريح لوكالة فرانس برس بـ"طغيان الخطاب اليميني المتطرف على الأجواء" في فرنسا.
وتابع أن "العلاقات بين فرنسا والجزائر لم تخرج أبدا عن المنظور العنصري مستعمِر/مستعمَر الذي لطالما عوملت الجزائر في ظله، بازدراء".
لكن قادر عبد الرحيم خفف من وجهة النظر هذه مشددا على أنه "للمرة الأولى لدينا رئيسان (في فرنسا والجزائر) لم يعاصرا حرب الجزائر".
بدوره، يرى الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق عبد العزيز الرهابي أن في تصريحات ماكرون أهدافا "انتخابية". واعتبر أنه في السنوات الأربع الأولى من أي ولاية أي رئيس فرنسي "يُنظر إليها (الجزائر) على أنها شريك أمني، قبل أن تتحول إلى فزّاعة في العام الأخير" من الولاية.
"أزمة غير مسبوقة"
أما مدير "مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ودول المتوسط" (سيرمام) في جنيف حسني عبيدي، فاعتبر أن تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا الذي قدمه إلى الرئيس الفرنسي في كانون الثاني/يناير وكان "من المفترض أن يهدئ العلاقات ساهم عوض ذلك في تصعيد التوتر".
وقد أعربت الجزائر عن رفضها للتقرير ووصفته بأنه "غير موضوعي" منتقدة عدم "اعتراف فرنسا رسميا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر"، وفق ما جاء على لسان وزير الاتصال عمار بلحيمر.
ويؤكد حسني عبيدي أن تصريحات ماكرون الأخيرة "لا تسيء فقط للسلطات الجزائرية ولكن من شأنها أيضا أن تسيء لجزء كبير من الجزائريين".
يشار إلى أنى الصحافة الجزائرية قدرت اليوم الإثنين (الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2021) أن الأزمة بين الجزائر وفرنسا الناجمة عن التصريحات الانتقادية للرئيس إيمانويل ماكرون "من المحتمل أن تطول"، مؤكدة على الطبيعة "غير المسبوقة" لهذا الخلاف.
وجاء في صحيفة "لوسوار دالجيري" الصادرة بالفرنسية "يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية دخلت مرحلة حرجة، بعد أربع وعشرين ساعة من نشر التصريحات الخطرة التي أدلى بها إيمانويل ماكرون الخميس في الإليزيه. تم اتخاذ إجراءات، ويمكن أن تتخذ أخرى قريبا جدا بين الجزائر وباريس، الآن أزمة غير مسبوقة".
ع.أ.ج/ ص ش (أ ف ب، دب ا، رويترز)