أزمة اللجوء الجديدة بعيون لاجئين في ألمانيا
١٢ مارس ٢٠٢٠أثارت أزمة اللاجئين على الحدود التركية اليونانية نقاشاً على المستوى السياسي والاجتماعي في ألمانيا، لما تحمله في طياتها من احتمالية تكرار أزمة 2015 عندما وصل الملايين إلى أوروبا طلباً للجوء.
وقد واجه اللاجئون قوة ردع من السلطات اليونانية، التي استعانت بقنابل مسيّلة للدموع وبقوات مكافحة الشغب لمنع المهاجرين من اختراق الحواجز الحدودية، في مشاهد وصفت بـ"المأساوية".
تأتي هذه الأزمة حاملة معها نقاشاً حول مقدرة برلين على استقبال أعدادٍ جديدة، كما تحمل صاعد الأصوات اليمينية الرافضة لوجودهم، فيما كانت هناك نظرة شبه موحدة داخل الحكومة الألمانية على عدم تكرار تجربة 2015.
في الجانب الآخر، فإن اللاجئين ممن قدموا بعد عام 2015 في ألمانيا، تباينت آراؤهم حول الأزمة، فبينما عبّر بعضهم عن أمله بتقديم يد العون، إلا أن البعض اتخذ موقفاً أكثر حزماً يتشابه مع موقف الاتحاد الأوروبي باعتبار أزمة اللاجئين الحالية هي محاولة "ابتزاز سياسي".
"هذا لجوء عشوائي"
حسن المصري، وهو لاجئ سوري قدم إلى أوروبا عام 2015، يرى في حديثه مع DW عربية، أن استقبال اللاجئين حالياً يجب أن يكون مشروطاً، "من يملك إقامة وعملاً في تركيا لا يحتاج إلى لجوء في ألمانيا" على حد تعبيره، ويضيف: "القادمون من إدلب يعانون ولهذا فإن الترحيب بهم واجب، إلا أن من بين المتواجدين على الحدود أشخاصاً يعيشون بظروف جيدة في تركيا".
ويعتقد المصري أن على الحكومة الألمانية اختيار من يتم استقبالهم بشكل حذر، معقباً أن "ألمانيا ليست جنة".
من جهة أخرى، فإن المصري يجد التعامل مع اللاجئين منذ عام 2015 حتى الآن قد تغير، "بسبب بعض السلوكيات غير المقبولة من بعض اللاجئين، فإن معدل العنصرية في ألمانيا ارتفع"، مشيراً إلى أن هذه "التصرفات" يجب الحد منها عن طريق
اختيار أكثر "دقة" لمن يسمح لهم بدخول ألمانيا.
لاجئ سوري آخر هرب من دمشق بعد اعتقاله وتعذيبه في معتقلات النظام السوري، أحمد محمود (اسم مستعار)، وخلال حديثه مع DW عربية، يلقي باللوم على تركيا "لافتعال" الأزمة الحالية، "لست متعاطفاً مع هذه الموجة من اللاجئين، لأن أردوغان يقوم بلعبة سياسية للحصول على أموال".
ويدافع المتحدث عن رأيه بأن الأزمة لم تكن "نتيجة حرب" كما في السابق، بل توعد أنقرة بفتح الحدود هو الذي أشعلها، مضيفاً أن "طرق التهريب الحالية صعبة"، وتعرّض حياة اللاجئين إلى الخطر، "إن قدمت حالات إلى ألمانيا يجب أن تأتي بشكل شرعي، يجب ألا يخاطروا بحياتهم".
ولعلّ اختلاف الظروف الحالية مع تجربة محمود جعلته يؤيد "الطرق الشرعية"، فقد غادر محطته الأولى في كردستان العراق بعد أقل من سنتين، "لولا اقتراب داعش إلى حدود المدينة التي أقمت بها، وفقدان عملي نتيجة لهذا، لما قدمت إلى ألمانيا".
كانت رحلة الهروب من تركيا إلى اليونان، كما يذكر، سهلة، فرغم بقائه على الحدود لثلاثة أيام إلا أن المنظمات التي استقبلته على الحدود اليونانية جعلت طريق التهريب أسهل مما هي عليه الآن، "وهذا غير متوفرٍ حاليا" كما صرح.
ويعتقد محمود أن أي موجة لجوء جديدة "قد تغذي الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا"، وقد يؤثر هذا بشكل "غير مباشر على اللاجئين الحاليين".
ويتفق حامد رحمة (اسم مستعار) أيضاً مع الرأي القائل بأهمية اللجوء إلى "الطرق الشرعية"، معتبراً أن تواجد اللاجئين على الحدود حالياً هو أمر "عشوائي" قد يسمح بدخول جنسيات غير سورية تستغل الأزمة باسم النازحين السوريين.
من جهة أخرى، يرى أن هناك فئة بين الألمان وغيرهم ترفض تقديم المعونات للاجئين غير الفاعلين، "أنا أعمل وأدفع مبالغ ضريبية ضخمة، في حين أن هناك عدداً لا يعمل ويحصل على مساعدات"، ولهذا يتفق رحمة مع الآراء السياسية الجديدة التي تطالب باستقطاب لاجئين "يمكن الاستفادة منهم في سوق العمل".
"الاستقرار والأمان كل ما يطلبه اللاجئون، وعلينا توفيره"
يتفق العديد من اللاجئين المقيمين في ألمانيا، وممن قامت DW عربية بمقابلتهم، أن تركيا استغلت النازحين الحاليين لتحقيق "مآرب سياسية"، إلا أن مريم غريب (اسم مستعار)، ترى أن من واجب ألمانيا الإنساني استقبالهم، مضيفة أن "الأخبار الإعلامية لا تقدم معلومات واضحة حول ما يجري"، مما خلق موجة من الإشاعات والفوضى، على حد تعبيرها.
وتتهم غريب السياسيين بالركض خلف "مصالحهم الشخصية" دون التعامل مع النازحين بشكل "إنساني"، مشيرة إلى أن ما يحتاجه المرء هو "الآمان والاستقرار"، ويجب على كل فرد أو جهة توفير هذا "الشعور" لمن يحتاجه، وهذا يشمل الحكومة الألمانية أيضاً.
كان "الشعور بالاستقرار" أيضاً حاضراً أثناء حديث اللاجئة دعاء ع.، إذ توجهت عام 2018 عبر طرق التهريب إلى ألمانيا، حيث تتواجد عائلتها منذ عام 2015، "لم أتمكن من الحصول على لم شمل، ولهذا قررت سلوك طرق التهريب"، وقد وصفت رحلتها ما بين تركيا واليونان بالصعبة، "كنت خائفة ووحيدة، المهربون وحوش، في مرحلة ما ظننت أنهم سيسرقون أعضائنا، إلا أنني رغبت بالاستقرار مع عائلتي".
الجانب الإنساني لم يكن السبب الوحيد الذي طرحه اللاجئون، إذ يرى إبراهيم اعبيد (اسم مستعار)، لاجئ مقيم في ولاية بافاريا، أن ألمانيا تساهم عسكرياً في أزمة اللاجئين، وعليها "تحمل مسؤولياتها بسبب قراراتها السياسية تجاه الأزمات العالمية"، على حد تعبيره.
"ألمانيا قادرة على استقبال اللاجئين"
إعلان ألمانيا عن استعدادها استقبال 1500 طفل لاجئ يتمتعون بصحة جيدة وبدون ذويهم، يشير إلى احتمالية توجه جديد يتعلق باستقبال الأيدي العاملة المحتملة، وفي هذا يذكر الخبير في شؤون اللجوء والاندماج ابراهيم السيد لـ DW عربية، أن "ألمانيا تبحث عن طاقات جديدة في سوق العمل، ومن هنا تأتي فكرة استقبال القاصرين".
ويجد السيد أن ألمانيا تتمتع بقدرة استيعابية لاستقبال أعداد جديدة، مشيراً إلى أزمة عام 2015، حينما استقبلت العاصمة برلين نحو 1000 لاجئ يومياً، وكانت رغم هذا قادرة على التعامل مع هذه الأرقام، "لهذا فإن استقبال مئات من الأطفال سيكون ممكناً بسبب توفر البيوت والمأوى".
إلا أن الخبير يرى في الحياة السياسية الألمانية سبباً قد يعرقل نوعاً ما أي خطوة لتقديم العون، "هناك جهات تعارض وجود اللاجئين، ولكنها ليست أصوات الأكثرية".
مشيراً في نهاية حديثه بأن لدى أوروبا وألمانيا واجب أخلاقي لتحمل أعباء اللاجئين.
مرام سالم/ م.ع.ح / كريستن كنيب