أدونيس لـِ DW: لا ديمقراطية دون فصل الدين عن الدولة
٢٠ فبراير ٢٠١٦DW: منحكم جائزة إيريش ماريا ريمارك للسلام يشكل تقديراً كبيراً لكم، وفي الوقت نفسه عبرت أوساط سورية معارضة عن استياء كبير من ذلك ووجهت نقداً صريحاً للجنة التحكيم، فهل شعرتم بالدهشة من جراء ذلك؟
أدونيس: بشكل ما لم أكن مندهشاً، فأنا أعتقد أن أعضاء لجنة التحكيم هم مفكرون كبار، والمفكرون الفعليون يعرفون موقفي، وهم صوتوا بالإجماع لصالحي. الذي أدهشني هو جرأة أعضاء اللجنة، فقد برهنوا على جرأة أخلاقية تثير إعجابي.
النقد الذي وجه إليكم لم يكن ضد أعمالكم الأدبية إنما ضد موقفكم من الصراع في سوريا، وتوجه إليكم التهمة بعدم مناصرة المعارضة السورية. فكيف تشرح موقفك من المعارضة؟
هناك العديد من المجموعات المعارضة، وأنا دعمت المعارضة الداخلية التي وقفت ضد العنف ويقودها هيثم مناع، لقد تعاونت معهم وأبقى إلى جانبهم. أنا كنت وما أزال ضد المعارضة في الخارج، فهي عنيفة وتقوم على نهج السلطة الدينية، وهي تتعاون أيضاً مع الأمريكيين وكذلك مع الأوروبيين. الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون إلى جانب الحرية وتحرر الشعوب ولم تكن يوماً إلى جانب الديمقراطيات، فهي متحالفة مع أسوأ الأنظمة في العالم، مع المملكة العربية السعودية وقطر. هناك أيضاً بعض الدول الأوروبية التي كانت سابقاً استعمارية وإمبريالية وتتصرف نوعاً ما من هذا المنطلق حتى يومنا هذا. إنني كنت وسأبقى ضد هذه المعارضة.
لقد انتقدتم خروج المتظاهرين في سوريا من دور العبادة، وأنتم تنادون بفصل الدين عن الدولة، فهل تعتقدون بإمكانية تحقيق مثل هذه الأفكار في الواقع العملي في منطقة من العالم سكانها متدينون؟
كثيرون يقولون إن السوريين يقفون اليوم أمام أمرين أحلاهما مُرّ: إما النظام الديكتاتوري الحاكم أو الإسلاميين. فما هو الحل حسب رأيكم؟
يجب عدم القبول بأي من الاثنين ويجب إظهار الاستعداد للمضي في المقاومة والتضحية. مشكلة قائمة منذ أربعة عشر قرناً لا يمكن أن تحل في غضون أسبوع أو سنة ويجب أن يستمر الكفاح ضد الشر وضد الدين، فهذه الأنظمة هي نتاج نظام ديني شمولي. أنا تعاملت في كل حياتي مع نظام المعارضة الداخلي، الذي يطالب بالعلمانية والحريات الديمقراطية وبفصل الدين عن الدولة، لأنه يستحيل قيام ديمقراطية أو مجتمع مدني يلزم أفراده بنفس الواجبات، لكن لا يمنحهم نفس الحقوق. فالديمقراطية تبدأ بفصل الدين عن الدولة. فليعلنوا في خطاب جديد هذه الأمور وكلنا نسير في هذا الاتجاه، لكن مادام الخطاب غير موجود، فالكلام العام وغير الدقيق لا يفضي إلى أي نتيجة حقيقية.
كيف يمكن وضع أسس مجتمع ديمقراطي إذا لم يتم التخلص من نظام ديكتاتوري؟
الديكتاتورية هي نتيجة لأساس يتمثل بالدين، هو مزج السلطة السياسية بسلطة دينية والأساس يجب أن يتغير. حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق كان نوعا من الإخوان المسلمين، ولكن باسم آخر. السلطة الواحدية التي لا تقيم أي وزن ولا تعترف بالآخر المختلف. هذه بنية دينية ويجب تغييرها أولا للبحث عن الديمقراطية. وبتغيير البنية الدينية تتغير مفاهيم الأكثرية والأقلية بحسب الانتماء المذهبي أو العرقي وتصير الأكثرية والأقلية ديمقراطية. أي أن تغيير النظام وحده لا يجدي.
تعتبر أن الدين عقبة في وجه التطور، لكن التاريخ الإسلامي عرف مراحل تطور وازدهار كالعصر العباسي الذي شهد نشر العلوم والأدب؟
لم يتميز العصر العباسي بفكره التقدمي. بل عرف بقتل كبار الكتاب والمفكرين مثل الحلاج وشعراء آخرين. ولم يكن متسامحا باستثناء المأمون. أما بقية الخلفاء، فكانوا طغاة وضد الثقافة ولم يشجعوا سوى الفقهاء. حتى المفكرون لم يؤمنوا بالدين الإسلامي رسميا، فالغزالي عندما تكلم عن التصوف شُتم. يجب إعادة النظر في تاريخ مكتوب بشكل خاطئ. أما البقية فكانوا يؤوّلون الدين تأويلا عقليا ليتاح لهم الكتابة في الشعر والفلسفة وقضايا أخرى. جميع الذين خلقوا الحضارة الإسلامية لم يكونوا مسلمين بالمعنى الرسمي. وهذه أمور صادمة لأولئك الذين لديهم أفكار خاطئة عن التاريخ العربي الإسلامي. لكن يجب قراءتها من جديد. بناء على ذلك لا يجوز للمجتمع القائم على ثقافة دينية أن يتولى الثورة، بل دينك لوحدك مثل الحب لا يلزم أحدا غيرك. أنا لست ضد الدين على الإطلاق، ولكن أنا ضد الدين الذي يُفرض على مجتمع بأكمله فرضا كاملا.
لم يشكك أحد في قيمتكم الشعرية أو الأدبية، والانتقادات انصبت على الموقف السياسي، برأيكم إلى أي مدى يمكن أن يحاسب الأديب أو الشاعر سياسيا؟
أنا لست سياسيا، أنا أنظر إلى السياسة بوصفها جزءا من الثقافة. لكن هم كما يبدو ينظرون بنظرة معاكسة. إذ يعتبرون الثقافة جزءا أساسيا من السياسة وأنا ضد ذلك تماما. السياسة مسألة متغيرة، لا علاقة لها بالحقيقة، على عكس الثقافة والفكر. وما ليس له علاقة بالحقيقة فهو لايعبر عني. ولم أكن يوما ما سياسيا وأنا ضد الأدلجة.
كيف أثر عليكم النقد العنيف الموجه لمنحكم الجائزة؟
هذه عادة عربية إجمالا ويمكن تفسيرها كنوع من الحسد والغيرة، وبقايا ثقافة سحرية تبحث دائما عن كبش فداء. أجبت شخصيا على هذه الظاهرة سابقا، والآن أكرر ما قلته في مناسبات عديدة، وهو أن هذه الظاهرة أقرب إلى أن تكون بسيكولوجية منها إلى أن تكون ثقافية بالمعنى العميق للكلمة. وقد أتفهم أوضاعهم في هذه الظروف الصعبة. فأنا أستغرب مثلا مجرد النظر إلى المشكلة السورية على أنها مشكلة نظام فقط، وألّا يتم رؤيتها على أنها مشكلة ثقافية وحضارية وإنسانية. تغيير نظام ديكتاتوري بنظام ديني ثيوقراطي لا يحل المشكلة، بل على العكس يعقدها. تمنيت من هؤلاء المعترضين أن ألا يخونوا مبادئ أو مفاهيم الثورة الحقيقة، وأن يطالبوا مثلا بعلمنة الدولة والمجتمع وبفصل الدين عن الدولة وتحرير المرأة من الشرع الديني وعدم اللجوء إلى العنف وخصوصا المسلح وأن يطالبوا بعدم التبعية شبه المطلقة إلى أنظمة طاغية كالأنظمة السعودية والقطرية.
إنهم لم يعترضوا على تشريد شعب بأكمله كالإيزيديين وهدم منازلهم وسبي النساء ووضعها في الأقفاص وبيعها كالبضائع وأن يحتجوا على ذبح البشر، ليس لأنهم موالون للنظام، بل لهويتهم الدينية. هذا ما كنت أتمنى أن يعترضوا عليه. لكن مع الأسف لم يصدر أي اعتراض رسمي على مثل هذه الأعمال الشنيعة والبشعة التي تتم باسم الثورة حينا وباسم الله حينا آخر. وأنا الآن أدعوهم إلى إصدار بيان يطالب بعلمنة الدولة وبتحرير المرأة من الشرع الديني وبالاستقلال الثوري الكامل وبعدم العنف وسوف أكون أول من أوقعه. كان يجب على هؤلاء الثوار أن يكونوا في مستوى ثقافي يلائم البلد الذي اختاروا أن يلجأوا إليه، فرغم الجرائم التي ارتكبت في سوريا لم يصدر بيان رسمي من المسلمين يذنب هذه الجرائم، والصمت على هذه الجرائم من قبل المسلمين والمعارضة هو أخطر من الجريمة ذاتها.