أحزاب ومستقلون - منافسة شديدة للفوز بأصوات تونسيي ألمانيا
١٩ أكتوبر ٢٠١١كانت ليلة تونسية مليئة بالجدل والجدال الساخن تلك التي شهدتها مدينة بون الألمانية. فقد نُظمت مناظرة انتخابية بين خمسة مرشحين عن أحزاب سياسية ومرشح مستقل يتنافسون للفوز بأصوات أغلبية الجالية التونسية المقيمة في ألمانيا والحصول على مقعد داخل المجلس التأسيسي في تونس والذي سيعمل على إعداد دستور جديد للبلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات، إذ يصوت الناخبون التونسيون في ألمانيا على مدى ثلاثة أيام، من 20 إلى 22 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في مكاتب موزعة على عدة مدن ألمانية، تحتدم المنافسة بين 16 مرشحا عن أحزاب ومستقلين على أوجها.
ولعل القاعة التي غصت بالحاضرين الذين قدموا من بون نفسها، ومن عدة مدن ألمانية أخرى مجاورة مثل كولونيا ودوسلدورف وإيسن وغيرها، للاستماع إلى المرشحين وطرح أسئلتهم عليهم تعكس ولو بشكل بسيط المشهد السياسي في وطنهم تونس.
رجال من مختلف الأعمار ونساء وفتيات محجبات وغير محجبات، من الجيل الأول والثاني والثالث من الهجرة وطلاب وعمال مقيمون في ألمانيا يبدون متحمسين للمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة لأول مرة في تاريخ بلادهم الحديث بعد أن أجبرت احتجاجات شعبية واسعة استمرت لأسابيع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي على الفرار إلى السعودية مطلع هذا العام.
مرشحون بتجارب سياسية مختلفة
ستة مرشحين بخلفيات وخبرات سياسية مختلفة، وأغلبهم من الشباب، قدموا إلى المناظرة الانتخابية في بون وهم: رؤوف الغالي، عن حزب العمال الشيوعي، وشكري حامدي، وهو مرشح مستقل، والدكتور ناصر قعلول عن حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، بالإضافة إلى شمس الدين قيزة، عن الاتحاد الشعبي الجمهوري، وأمل نصر عن القطب الديمقراطي الحداثي، وكذلك فتحي العيادي، مرشح حزب حركة النهضة.
حاول كل واحد منهم في البداية التعريف بنفسه والحديث عن مسيرته السياسية ودوافعه للترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي في تونس. أمل نصر (24 عاما)، المرأة الوحيدة من ضمن 16 مرشحا ومرشحة عن القطب الحداثي، أكدت أنها تربت داخل عائلة ناشطة سياسيا وأنها منذ فترة طويلة مدونة وناشطة على الانترنت. وتقول في حوار مع دويتشه فيله: "أنا المرشحة الأنسب بالنسبة للجالية التونسية في ألمانيا، لأني أمثل جيل الشباب والطلبة التونسيين هنا وكذلك العائلة التونسية، بما أن عائلتي تعيش في ألمانيا أيضا."
أما ناصر قعلول (31 عاما) فقال إنه قرر الانضمام إلى حزب التكتل بعد الثورة لأنه "أراد أن يساعد من أجل بناء تونس ديمقراطية"، وأنه رأى من خلال العمل السياسي فرصة لذلك. في حين شدد فتحي العيادي (47 عاما)، مرشح عن حزب حركة النهضة، على نضال الحركة خاصة في فترة الرئيس المخلوع بن علي وما ذاقه أتباعها من ويلات مثل "الملاحقة والتعذيب والسجن"، وأن "40 ألف من أتباع الحركة كانوا يقبعون في السجون التونسية أيام بن علي". بينما ركز المرشح المستقل شكري الحامدي على عمله السياسي داخل الجامعة الألمانية لتحسين ظروف دراسة الطلبة الأجانب في ألمانيا.
الطرق مختلفة والكل يريد تقوية سلطة الشعب
واختلفت مشاغل وأسئلة الحاضرين حول برامج الأحزاب في إصلاح التعليم في تونس وبين من يريد معرفة موقف الأحزاب التونسية من تحديد هوية البلاد التونسية وبين من يريد معرفة الإجراءات التي تريد الأحزاب اتخاذها لتكريس الديمقراطية في البلاد. وفي هذا الإطار يقول شمس الدين بن قيزة (23 عاما)، مرشح عن حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري: "بالنسبة لنا يجب أن يكون النظام السياسي مختلفا عن النظام الذي عشناه خلال فترتي رئاسة بن علي وبورقيبة، أي ألاّ تكون السلطة بيد شخص واحد". ويشير إلى أن حزبه يقترح أن يكون النظام المقبل في تونس "مزيجا من النظامين البرلماني والرئاسي".
أما مرشح حزب حركة النهضة فتحي العيادي فيؤكد أن حزبه يريد أن يقوي من آليات مراقبة عمل الحكومة والبرلمان أيضا عبر محكمة دستورية. ويؤكد على ضرورة أن يستقيل رئيس الدولة من كل المهمات الحزبية، ويقول: "رئيس الدولة هو رئيس التوانسة الكل وموش رئيس حزب معين". ويوضح أن حركته تريد توسيع اعتماد الانتخاب خاصة حتى في الهيئات المحلية والجهوية. "نريد أن يأخذ الشعب التونسي قراراته في كل المجالات وليس فيما يتعلق بالدستور فقط".
"هل سيتزوج علي زوجي إذا فزتم بالانتخابات؟"
كما لم تخل المناظرة الانتخابية من أسئلة تعكس ربما مخاوف البعض من سيطرة حزب ديني على المجلس التأسيسي وربما المس بمكتسبات المرأة التونسية التي حظيت بها قبل أكثر من 50 عاما. فقد وجهت سيدة، يبدو أنها في آخر الخمسينات من عمرها، سؤالها إلى مرشح حركة النهضة وقالت:"أنا سمعت الشيخ راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة) يقول من يريد أن يتزوج بإمكانه أن يتزوج باثنتين وثلاث وأربع نساء، فهل تريد حركة النهضة إدخال تعدد الزوجات؟"، معربة في الوقت نفسه عن مخاوفها من أن يتزوج عليها زوجها بعد كدحت معه لعقود طويلة في ألمانيا إذا ما تم تغيير مجلة الأحوال الشخصية.
العيادي نفى أن يكون زعيم حركته قد أدلى بتلك التصريحات وأكد أن النهضة "تدافع عن مكتسبات المرأة"، كما لن تجبرها على ارتداء الحجاب، لأنها "تدافع عن الحريات العامة والأساسية في المجتمع". وتلقى العيادي معظم الأسئلة التي تعكس تخوفات وتحفظات الناخبين التونسيين، إذ سأله أحد الحاضرين عن مصدر أموال حركة النهضة، خاصة وأن حملتها الانتخابية تبدو الأكثر تنظيما. العيادي قال إن "المنخرطين في الحزب يمولونه من خلال تخصيص 5 بالمائة من مداخيلهم وأجورهم له"، مشددا على أن عددهم كبير. ويقول: "نحن مساجيننا كان عددهم يبلغ 40 ألف، فما بالك بالآخرين المهجرين والمنفيين وغيرهم".
"مواطنة كاملة في تونس ولتونسيي المهجر"
أما ناصر قعلول، مرشح حزب التكتل، فقد أكد على تكريسه العمل على "تمكين التونسي من مواطنة كاملة وإدراج الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الدستور". وقال إن "حزبه يدافع عن تمكين تونسيي المهجر من نفس الحقوق التي يتمتع بها التونسيون داخل البلاد". في حين تقول أمل نصر عن القطب الحداثي إن حزبها يريد تمتين العلاقة مع تونسيي المهجر من خلال إنشاء مدارس تونسية تدرس باللغتين العربية والألمانية في المدن الألمانية، التي يتواجد فيها التونسيون بكثرة. كما ترى ضرورة إعطاء أبناء المهاجرين التونسيين الأولوية في العمل في الممثليات الدبلوماسية والاقتصادية التونسية في ألمانيا بدلا من استقدامهم من تونس للعمل لمدة محددة فقط.
في حين أكد مرشح حزب العمال الشيوعي رؤوف الغالي (33 عاما) أن حزبه يريد تقوية سلطة الشعب من خلال الانتخابات وإجراء استفتاءات في جميع الميادين التي تخص البلاد. كما أكد على ضرورة الفصل بين الدين والدولة والسياسة. وعلى الصعيد الاقتصادي يتضمن برنامج حزب العمال عدة نقاط تختلف عن أغلبية الأحزاب الأخرى مثل إبطال الديون الخارجية للبلاد وتأميم القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية.
أما زياد الغضباني (46 عاما)، وهو مرشح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، فلم يكن حاضرا في المناظرة الانتخابية ولذلك حاورناه عبر الهاتف فيقول لدويتشه فيله: "برامج الأحزاب كلها متشابهة إلى حد بعيد". أما حزبه هو "فيقدم حلولا واقعية وتطبيقية لحل معضلة البطالة في تونس". ولكن الأهم بالنسبة له هو أن يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع، ويقول: "صوتك ما تسلمش فيه، أعطيه للّي يستحق..لكن صوتك ما تخليشو يضيع!".
شمس العياري
مراجعة: أحمد حسو