أحداث كولونيا تضع اندماج الشباب المغاربي على المحك
٢٦ يناير ٢٠١٦لا تزال أحدث التحرش الجنسي التي طالت مجموعة من النساء خلال الاحتفال برأس السنة في مدينة كولونيا، تلقي بظلالها على المشهد السياسي والاجتماعي في ألمانيا. هذا الموضوع تصدر أيضا فعاليات النشاط الذي نظمته الجالية التونسية في مدينة بون الألمانية احتفالا بالذكرى الخامسة للثورة التونسية.
اتهام شباب من تونس والجزائر والمغرب بالتورط في اعتداءات رأس السنة جعل مجموعة من الناشطين في المجتمع المدني في ألمانيا تتساءل عن واقع اندماج هذه الفئة من المهاجرين والأسباب التي قد تدفعها لارتكاب أفعال إجرامية يرفضها القانون والمجتمع رفضا تاما كجريمة التحرش الجنسي.
رفض قاطع لاعتداءات رأس السنة
المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة بعدد من الجامعات الألمانية، الدكتور محمد تركي، يدين بشدة اعتداءات كولونيا ويؤكد أن من أقدموا على هذا الفعل "خدموا أجندات أخرى لم يحسبوا لها حساب ولم يكونوا واعيين بفداحة هذا الفعل". ويقول تركي في حوار مع DW عربية "إننا نسعى جاهدين من أجل تحسين الصورة وبناء جسور مع المجتمع الألماني بهدف الاندماج، ولكن مثل هذه الأحداث تحطم كل ما أنجزناه خلال سنوات في لحظة وهذا يشعرني بالخيبة".
وبعد أحداث رأس السنة في كولونيا أصبحت الجالية العربية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص محل اتهام لدى البعض. بل إن مراكز الشرطة سجلت مجموعة من الشكاوي لمغاربيين تعرضوا لعبارات عنصرية أو لاعتداءات شخصية على يد يمنيين متطرفين. وهو أمر يرفضه بشكل قاطع رئيس جمعية الزيتونة التونسية للتواصل ومقرها دسلدورف، كريم بن حمودة. فهذا الناشط الاجتماعي يشجب تعميم الاتهامات على كافة المهاجرين ويقول في حوار مع DWعربية "الجالية التونسية متواجدة منذ خمسين عاماً بألمانيا وعرفت بإندماجها، والمشكلة تتمثل في بعض المهاجرين الجدد الذي يقيمون بشكل غير رسمي، وهو أمر يصعب من عملية اندماجهم في المجتمع".
الإحباط وغياب التربية الجنسية سبب في اعتداءات التحرش
وإذا كان المشاركون في احتفالات الذكرى الخامسة للثورة التونسية قد أجمعوا على رفضهم القاطع للأعمال الإجرامية التي وقعت في رأس السنة في مدينة كولونيا فإنهم يختلفون في الأسباب التي تدفع بعض الشباب العربي لارتكاب مثل هذه الجرائم.
فبالنسبة للمفكر التونسي محمد تركي فإن الإحباط الذي يعانيه بعض المهاجرين يدفعه للجوء إلى العنف للتعبير عن ذاته ويوضح بهذا الخصوص "هناك خلط بين الشباب الذي لم يجد الظروف الملائمة للتعليم والعمل الشريف والاندماج في المجتمع الألماني، مما يولد لديه شعور بالرفض في المجتمع، وبالتالي تتكون لديه ردة فعل عنيفة في بعض الأحيان تترقب الفرصة لتبرز". ويضيف المفكر التونسي "لا بد أن لا ننسى أن هؤلاء الشباب يعيش حالة انفصامية لأنهم عاشوا بين المجتمع الألماني والمجتمع التونسي أو المغاربي الذي مازال يعيش في مجتمع أبوي، يتسم بخلل في علاقة الرجل بالمرأة".
أما عزيزة دلهومي رئيسة جمعية ملكين، التي تأسست عام 2014 بعد مقتل ابنة أخيها أحلام دلهومي، فترى أن غياب التربية الجنسية الصحيحة في البلدان العربية هي من بين الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب بعض المهاجرين لجرائم التحرش الجنسي كتلك التي حصلت في كولونيا ليلة رأس السنة.
و تقول دلهومي لـDWعربية "بطبيعة الحال أنا أدين ما حصل في كولونيا، لكن نحن في جمعيتنا نؤمن أن أي شخص وقع في مثل هذه المشاكل لابد أن تكون له دوافع أقوى"، مضيفة "في الدول العربية مازالت تنقصنا تربية الإنسان الصحيحة وبالأخص التربية الجنسية، بخلاف التلاميذ هنا في المدارس الذين يتلقون دروسا حول التربية الجنسية منذ الصغر".
الاندماج الحقيقي يحتاج لوقت طويل
وأمام اختلاف الثقافات بين بلد الأصل وبلد الاستقبال تحتاج عملية الاندماج لوقت طويل حتى يدرك المهاجرون الجدد قيم المجتمع الذي أصبحوا يعيشون فيه. وهو ما يؤكده ماركوس شتريتمان، الذي يعمل كمساعد لأحد النواب في البرلمان الألماني. ويقول شتريتمان لـ DWعربية "لا يمكن في ظرف أسابيع قليلة إدماج هذه الفئات عبر دورات تعليمية مثلاً حول كيفية التعامل مع النساء الألمانيات، ويضيف "يجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار وضع هؤلاء القادمين من مجتمعات ذات ثقافة مختلفة وأتصور أن ما حصل في كولونيا هو عبارة عن تصادم بين ثقافتين مختلفتين".
ومن جهته يرى خميس المولهي رئيس جمعية اتحاد التونسيين في دوسلدورف أن "الحكومة الألمانية تتحمل جزءا من المسؤولية في اندماج هؤلاء الشباب،لأن هناك تمييزا في المستوى التعليمي أيضا، فالفرد الذي يتم عزله يصبح ناقما على المجتمع الألماني وقد يقع بسهولة في التطرف إذا لم يكن يملك مستوى تعليمي وثقافي جيد، لهذا نحرص في جمعيتنا على التعليم لأنه يمثل مستقبل الشباب".
صورة إيجابية للشباب المغاربي
وعلى عكس الصورة السلبية التي تركها بعض المهاجرين من خلال تورطهم في أحداث كولونيا، قدم بعض الشباب المغاربي صورة حضارية للاندماج والتعايش من خلال مبادرة "ورود للتضامن مع نساء كولونيا"، حيث انتقل مجموعة من الشباب التونسي والمغربي لمحطة القطار الرئيسية بمدينة كولونيا التي شهدت اعتداءات رأس السنة وبدؤوا بتوزيع ورود على النساء والفتيات تضامنا مع ضحايا التحرش الجنسي.
وعن هذه المبادرة وغيرها من المبادرات المماثلة يرى المدون والناشط في المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام خالد الكحولي أن الشباب كان رياديا في الثورة التونسية وهو مطالب أيضا بأن يظهر ريادته في الاندماج في المجتمع الألماني. ويشير كحولي في حديثه لـ DWعربية إلى أن مشاركته مع نشطاء من جمعيات شبابية في مبادرة "ورود التضامن" تعتبر شكلا من أشكال التعبير الحضاري عن الدور البناء الذي يمكن أن يلعبه الشباب المغاربي في الاندماج. وتصحيح الصور النمطية التي طالته بسبب انحرافات فردية لبعض المهاجرين.