أحداث جسر الشغور ـ هل تتجه الاحتجاجات في سوريا نحو "العسكرة"؟
٧ يونيو ٢٠١١مقتل حوالي 120 شخصاً من عناصر الجيش وأجهزة الأمن في منطقة جسر الشغور، بحسب ما أوردت وسائل الإعلام السورية يوم أمس الاثنين (السادس من حزيران/ يونيو 2011)، يرى فيه محللون نقطة مفصلية في مسار الاحتجاجات الشعبية في البلاد. فعلى الرغم من أن بعض عناصر الأمن قتلوا في عدد من المدن السورية أثناء المظاهرات، إلا أن عددهم لم يتجاوز في غالب الأحيان أصابع اليد الواحدة في كل حادثة.
لهذا فإن النقطة المفصلية سالفة الذكر تفتح الباب أمام عدد من التفسيرات، حسب بعض المراقبين والناشطين، أولها أن ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف أجهزة الأمن يشير إلى انشقاق داخل صفوف الجيش السوري، بسبب رفض بعض عناصره إطلاق النار على المتظاهرين المدنيين. والتفسير الثاني هو أن بعض المتظاهرين قرروا اللجوء إلى السلاح يأساً وإحباطاً من قمع النظام المستمر لمسيراتهم السلمية، وأخيرا الرواية الرسمية السورية التي تتهم عصابات إجرامية مسلحة مدعومة من الخارج بالمسؤولية عن أعمال العنف في البلاد.
المعارض السوري المعروف ومدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان المقيم في واشنطن، رضوان زيادة، يميل إلى التفسير الأول مع التشكيك في عدد القتلى. ويقول زيادة، في حوار مع دويتشه فيله، إن الانقسام في صفوف الجيش "حصل سابقاً في مدينتي درعا والرستن. وهذا ما حصل في جسر الشغور أيضا إذ انشقت وحدات من داخل الجيش ورفضت إطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى إلى تبادل إطلاق نار مع الوحدات الموالية، كان عنيفاً هذه المرة، ما أسفر عن سقوط هذا العدد من الجنود. لكن ليس هناك تأكيد لعدد الجنود، لأن هذا هو ما ادعته وكالة الأنباء السورية الرسمية، دون أسماء أو صور، وبالتالي هناك تشكيك في الرواية نفسها".
هل تحذو سوريا حذو اليمن وليبيا؟
وقد يدفع انشقاق من هذا النوع بالحركة الاحتجاجية الشعبية في سوريا إلى مسار مواجهة مسلحة مع نظام الرئيس بشار الأسد، بشرط حصوله على مستوى أوسع – مثلما جرى في اليمن أو في ليبيا. لكن الباحث في المعهد الألماني للسياسات الدولية والأمنية في برلين، هايكو فيمن، يعتبر، في حديث مع دويتشه فيله، أنه لا يوجد "انشقاق جذري على مستوى أوسع أو أعلى من حيث الرتب العسكرية. فإذا حدث انشقاق كبير في الجيش السوري فسنكون على مشارف حرب أهلية، لأن هناك وحدات عسكرية ستظل موالية للنظام السوري حتى النهاية، وهناك الحرس الجمهوري بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري".
ويشدد المعارض والحقوقي السوري رضوان زيادة على أن المظاهرات في المدن السورية "حافظت على طابعها السلمي ضد عنف الدولة الممارس من قبل الأجهزة الأمنية. ربما كانت هناك بعض الحالات المعزولة فيما يتعلق باستخدام السلاح من قبل بعض الأشخاص الذين فقدوا أحد أفراد عائلتهم ولم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم".
إلا أنه ينتقد تباطؤ المجتمع الدولي في استصدار قرار أممي يدين ما يحدث في سوريا من "أفعال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، بحسب رأيه، لاسيما وأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 والمتعلق بإدانة قمع نظام العقيد معمر القذافي للاحتجاجات الشعبية في ليبيا صدر بعد أقل من أسبوعين من بدء الثورة هناك.
ويستبعد هايكو فيمن أن ينجح مجلس الأمن في استصدار قرار مماثل ضد النظام السوري، ويتوقع أن "يستعمل الروس حق النقض (الفيتو) ضد القرار". ويضيف فيمن بأن الروس والصينيين "يقولون إنهم رأوا ما حدث في ليبيا وليسوا راغبين في سلوك الطريق نفسها في سوريا"، وذلك في إشارة إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي ضد القوات الموالية لنظام القذافي.
الجيش: انشقاق أم انقلاب؟
وإن صح السيناريو المحتمل لتفسير أحداث جسر الشغور، ألا وهو أن عناصر من الجيش قررت الانشقاق عن النظام ومساندة الاحتجاجات الشعبية، فإن رؤية المحلل السياسي الألماني للمستقبل في سوريا قاتمة، خاصة في ظل أنه "لا توجد إمكانية للجيش السوري أن يلعب نفس الدور الذي لعبه الجيش المصري والجيش التونسي ... المجتمع السوري يتكون من طوائف متعددة ويعاني من مشكلة الطائفية، وهناك عدد كبير من الضباط العلويين (طائفة الرئيس الأسد) يشغلون مواقع قيادية في الجيش النظامي".
أما رضوان زيادة فيؤكد على وجود روح وطنية داخل الجيش السوري وأنه "لن يقبل باستمرار عملية قتل المتظاهرين السلميين، لكن هذا بحاجة إلى وقت، وهناك الكثير من المؤشرات على انقسامات عميقة داخل الجيش، سواء لدى الرتب الكبيرة أو الصغيرة". وكانت قناة الجزيرة الإخبارية القطرية قد بثت شريط فيديو ظهر فيه شاب قال عن نفسه إنه ضابط في الجيش السوري وأنه برتبة ملازم أول وأنه يعلن انشقاقه عن الجيش ويدعو زملاءه للانضمام إلى "ثورة الشعب السوري".
إما الانقسام أو الانقلاب، خياران يتوقعهما الباحث الألماني هايكو فيمن للجيش السوري. أي إما أن ينقسم الجيش ويحول الحركة الاحتجاجية الشعبية السورية ذات الطابع السلمي – من جهة المتظاهرين – إلى "حرب أهلية طاحنة يراهن فيها النظام على نجاحه في سحقها، وإما أن تقوم بعض قيادات الجيش بالتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، في انقلاب عسكري يطيح به ويضمن استمرارية النظام". لكن هذا الخيار يخضع لعامل الوقت، فكلما استمر الجيش في تحمل المسؤولية عن مقتل المواطنين السوريين الذين يتظاهرون ضد نظام الأسد، كلما أضعف هذا من مصداقيته أمام الشعب، وقلل من "جاذبية" هذا الخيار.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: أحمد حسو