آلان غريش لـ DW: هذا الثالوث وراء ما يحدث في لبنان والعراق
٣١ أكتوبر ٢٠١٩في حواره مع DW عربية يتحدث الصحفي الفرنسي المخضرم والخبير في شؤون الشرق الأوسط آلان غريش عمَّا يحدث في العراق ولبنان واحتمالات امتداد ذلك الحراك إلى دول عربية أخرى. وفي رأي الخبير الفرنسي فإن أزمة النظام في كل من العراق ولبنان ورائها ثالوث مدمر، يفصله في هذه المقابلة.
DW عربية: ما الجديد في الحراك العراقي واللبناني؟
آلان غريش: اعتقد أن الازمة التي يمر بها لبنان والعراق لها جذور قديمة للغاية، لكن الجديد فيها اليوم هو أن الشعوب بدأت في رفع صوتها برفض النظام الذي يحكم ويدير كل شيء ويرفض أي محاولات للإصلاح.. بالطبع هناك أمور مرتبطة بالطائفية في كلا البلدين، لكن هناك أيضاً أزمة وتوتر في دول عربية أخرى لا توجد بها معادلة الحكم الطائفية، كما هو الحال في الجزائر مثلا.
أيضاً، يمكننا أن نلاحظ ارتباطاً بين الحراك في لبنان والعراق سواء على مستوى الشعارات أو المطالبة بإنهاء الفساد ورفض نظام الحكم، لكن رفض النظام هو أمر أكبر من مجرد مسألة الطائفية؛ فلدينا أمثلة كالجزائر والسودان ومصر وهي دول بها أنظمة لديها مشاكل شديدة التعقيد مع شعوبها. ما أراه واعتقده هو أن لدينا مشكلة في الأنظمة التي لم يعد بإمكانها الإجابة عن أسئلة الشعوب ولم يعد بإمكانها الإدارة، ولم تعد صالحة للحكم بصيغتها الحالية. وبالنسبة للعراق فلا أعتقد أن النظام سيسقط هناك، وذلك على الرغم من أنه لا يعمل فعلياً وبات من الواضح أن لا أحد يستفيد من وجوده إلا من هم داخله فقط ومن يمسكون بالسلطة.
ما سبب تصاعد الأمور في كلا البلدين مؤخراً؟
يلعب مستوى الفساد في كل من العراق ولبنان دوراً كبيراً في غضب الشارعين لكن المشكلة أكبر في العراق في هذا الإطار، فالعراق بلد غني جداً بشعب فقير جداً، فالبترول العراقي يسرق يومياً بكميات هائلة.. من الذي يمكنه أن يصدق أن دولة بقدرات العراق النفطية تنقطع فيها الكهرباء بشكل شبه يومي.. هذا يعني أن الفساد هناك وصل إلى مستويات خرافية غير مسبوقة.
أيضاً الفساد في لبنان وهدر الأموال مستمران منذ مدة طويلة. مايعني أن هناك فساداً في نظامي الحكم في البلدين وفشلاً في الإدارة وفشلاً في الوفاء بمتطلبات الشعوب وغياباً للنمو الاقتصادي، بعكس ما يحدث في دول العالم الأخرى، التي تنظر إليها الشعوب العربية عموماً وتقارن نفسها بها، إضافة إلى مشكلة عدم المساواة والفقر المتزايد.. الحقيقة أن البلاد العربية هي أكثر دول العالم التي تعاني شعوبها من عدم المساواة في الكثير من النواحي.
هل تعتقد بوجود تدخل لأطراف خارجية في الحراك الحادث في لبنان والعراق؟
التحركات السياسية داخل البلاد حينما تقوم بها الشعوب لاتقاد من الخارج، لكن هذا لاينفي وجود تدخلات خارجية إلى حد ما. لبنان والعراق لديهما ارتباطات دولية لكنها ليست أبداً المحرك الأساسي للشارع وإنما الأمر أشبه بالربيع العربي في بدايته حيث يكون لدينا حركة شعبية في الشارع ثم ما يلبث أن تبدأ بعدها أطراف أخرى في محاولة الاستفادة منه بشكل أو بآخر.
هل يمكن أن نعتبر ما يقع الآن موجة جديدة من أحداث عام 2011 أو الربيع العربي 2.0؟
يمكننا القول بأن هذا هو الإصدار الثاني من ثورات الربيع العربي التي انطلقت في 2011 لكن المشكلة الآن هي في تصاعد العنف في التصدي لهذه الاحتجاجات وهو عنف مستمر منذ اندلاع الثورات، ما يوضح بأن ماحدث انطلاقاً من عام 2011 لاتزال جذوره موجودة إلى اليوم ولذلك فالاحتجاج والغضب مستمران، ذلك أن المشاكل التي تسببت في اندلاع الثورات منذ البداية لم تحل إلى الآن لذا فكان من المتوقع أن تستمر بل وأن تمتد لدول أخرى.
هل يمكن أن يمتد ذلك الحراك لدول أخرى في المنطقة؟
من الممكن جدأ أن ينتقل الغضب والحراك إلى دول أخرى منها مصر بما فيها من نظام قمعي وكذا المغرب، وهناك حراك في الجزائر وبدايات لديمقراطية في السودان، لكن الحقيقة هي أن مشاكل هذه الثورات هي عدم وجود بديل يمكنه الخروج بانظمة سياسية أو أحزاب حقيقية فاعلة وسبب ذلك هو سعي تلك الأنظمة الحاكمة ومنذ زمن طويل لتدمير الحياة السياسية في البلاد حتي لا توجد بدائل أمام الشعوب، ما يجعلهم يخشون من سيناريو الفوضى إن سقطت تلك الأنظمة.
شعوب المنطقة تريد الديمقراطية والحرية، وما يزيد من حاجتها لتلك الحرية واحترام حقوق الإنسان هي تلك المستويات الهائلة من القمع الأمني تجاه أي حدث مهما كان تافهاً وبسيطاً وهو أمر يحدث على مستوى يومي فلم تعد قوات الأمن في الكثير من الدول العربية تهاجم السياسيين أو النشطاء فقط بل إن الكل فعلياً أصبح عرضة للإيذاء والاعتداء من قبل قوات الأمن بلا أدنى تمييز.
وفق تلك المعطيات.. كيف ترى المستقبل في هذه المنطقة؟
اعتقد أن استمرار الأنظمة العربية وفق معادلة الحكم القائمة على القوة والعنف واستمرار القمع والقتل أمر مستحيل، وأعتقد أنه في وقت ما سينتهي ذلك، فمهما تصورت نظم الحكم القمعية تلك - سواء في مصر أو الجزائر أو العراق أو غيرها - مهما تصورت أنها نظم مستقرة فهي ليست كذلك، فلو أنت كنظام حكم تقف ضد شعبك فأنت لست مستقراً أبداً وستواجه بشكل مستمر موجات من الرفض الشعبي بدءًا من الفوضى وانتهاء بالثورة.
لابد من محاولة إيجاد سبل للمقاومة السياسية لهذه الأنظمة ربما تكون تونس الاستثناء الوحيد مما يحدث في العالم العربي، والتي تحاول بالفعل السير في طريق الديمقراطية؛ لكنها تواجه صعوبات ومشاكل اقتصادية كثيرة لكن لديها حوار سياسي عقلاني بين مكوناتها السياسية.. لابد من طرح رؤى وحلول للوصول إلى صيغ للتوافق بين الشعوب وأنظمة الحكم وإلا فإن الشعوب لن تقبل استمرار هذا الوضع إلى الأبد.
***آلان غريش- صحفي فرنسي مخضرم ولد في القاهرة وتولى رئاسة تحرير صحفية لوموند دبلوماتيك، كما ألف العديد من الكتب وهو حالياً يراس تحرير موقع https://orientxxi.info
أجرى الحوار: محمود حسين