آثار مصر القديمة عامل جذب للسياح في ميونخ

يقع متحف مجموعة الفن المصري القديم بمدينة ميونخ في قلب المنطقة السياحية في المدينة - ميدان "أوديونز بلاتز". وأُنشئ المتحف في عام 1970 بقرار من حكومة ولاية بافاريا التي تقع فيها المدينة بعد توصية من عدد من خبراء الآثار الألمان الذين كانوا على دراية بأهمية تلك المجموعة الأثرية النادرة، والتي ظلت محفوظة في أقبية خاصة في مكتبة بلدية ميونخ. وترجع المجموعة إلى الملك لودفيغ الأول (1786 - 1868) الذي دفعه ولعه وشغفه الشديد بالآثار الفرعونية واليونانية إلى شراء عدد كبير منها من تجار الآثار القديمة.

وينفرد المعرض بتقديم نماذج من فنون النحت المصري القديم في مراحله المختلفة بدءا بالحضارة النوبية أي حضارة ما قبل التاريخ ومرورا بالحضارة الفرعونية من خلال الممالك القديمة والمتوسطة والحديثة وحتى الوصول إلى الحضارة الرومانية، وذلك كما ترى الدكتورة "سيلفيا شوسكى" مديرة المتحف. وتقول شوسكي إن هذا العرض الموجز والمكثف يتيح للزائر أن يرى نماذج من هذه الحضارات المختلفة في وقت قصير، وهو ما قد يصعب عليه الإلمام به في حال زيارته لمتاحف الآثار المصرية الكبيرة الأخرى التي تحتاج لوقت أطول.

جولة في المتحف

عند الدخول من باب المتحف الرئيسي تستقبلنا صالة كبيرة بها عدد من التوابيت الحجرية المنحوتة من صخور الجرانيت وصخور البازلت، كذلك مجموعة من التماثيل الفرعونية المختلفة الأحجام، ثم ينقسم المتحف إلى عدد من الغرف المتقابلة. في إحدى الغرف نرى مجموعة من التوابيت الخشبية دقيقة الصنع، والتي نقشت عليها رسوما وكتابات باللغة الهيروغليفية عن الحياة اليومية للمومياء، وقد تم العثور علي هذه المجموعة في منطقة الدير البحري علي الضفة الغربية لنهر النيل في جنوب مصر، وهذه المجموعة ترجع لعهد الأسرة الحادية والعشرين أي ( 1000 سنة ق.م)، وتكمن أهمية عرضها في أنها تشرح التطور الذي حدث في الفن المصري القديم بعد عصور "الرماسسة" الذين كانوا يصورون الحياة اليومية للموتي علي جدران مقابرهم قبل أن ينتقل التصوير والنقش علي التابوت نفسه كما في هذه المجموعة المعروضة.

وتلفت الدكتورة "شوسكي" الانتباه إلى أن المتحف ينفرد بين متاحف العالم بقطعة أثرية فريدة وهي أول مزهرية (فازه) مطعمة بالزجاج صنعت في التاريخ القديم وقد نقش عليها اسم الملك "تحتمس الثالث" من الأسرة الثامنة عشرة (1450 ق.م). والمتحف يزخر أيضا بالعديد من القطع الثمينة الأخرى، فهناك مجموعة مميزة من التماثيل التي تمثل الأسرة 29 ( 390 سنة ق.م) والأسرة 27 ( 500 سنة ق.م). أما أحد أهم المعروضات فهو تمثال الأله آمون المصنوع من البرونز الخالص ويرجع لعهد الأسرة السادسة والعشرين ( 600 ق.م)، كما لا يمكن أيضا إغفال تمثال الأله حورس من الأسرة السابعة والعشرين ( 500 ق.م). ويضم المتحف ايضا برديات عديدة تمثل العهد الفرعوني والبطلمي وحتي الروماني، إضافة إلى الكثير من الفخاريات التي تمثل حياة المصري القديم في العديد من أنشطته. إحدى الفخاريات مثلاً تبدو علي هيئة تمساح وترجع الي سنة ( 3300 ق.م)،كذلك هناك تماثيل وفخاريات عديدة من المملكة القديمة اهمها مغسلة فخارية لليد ترجع الي سنة (2350 ق.م).

المتحف أعاد جزءا من تابوت اخناتون إلى مصر

وشهد تاريخ المتحف تعاونا مثمرا مع الإدارة المصرية، فقد قررت إدارة المتحف بالتنسيق مع ولاية بافاريا إعادة الجزء السفلي من تابوت إخناتون إلى مصر بعد أن طالبت باسترداده ليكتمل تابوت الملك المعروض في المتحف المصري بالقاهرة. جاء قرار المتحف بعد زيارة ادموند شتويبر رئيس ولاية بافاريا الاسبق للقاهرة في عام 2001، وقد عاد الجزء السفلي بالفعل الي مصر في عام 2002، وإثر ذلك قدمت مصر 5 قطع اثرية نادرة لعرضها لفترة مؤقتة في متحف ميونخ امتنانا لموافقة الولاية علي اعادة هذا الجزء. معروف أن المطالب المصرية المتكررة باستعادة آثارها من الخارج تثير جدلا واسعا حول الوضع القانوني لهذه الآثار، وقبل عدة أشهر رفض المتحف المصري في برلين إعادة تمثال رأس جميلة الجميلات نفرتيتي إلى القاهرة، ولو على سبيل الإعارة، بحجة أن التمثال خرج من مصر بطريقة شرعية.

وقبل أن نغادر المتحف نقرأ في مكتبته شيئا عن نشاطات علماء المصريات الألمان واهتمامهم بآثار مصر، فالألمان لهم تاريخ طويل في هذا المجال يرجع إلي القرن 19 عندما خرجت من بروسيا أول بعثة أثرية عام 1842 قاصدة أرض مصر للبحث والتنقيب عن الآثار المصرية تحت قيادة واحد من أشهر علماء المصريات آنذاك وهو الأثري (ريشارد ليبسيوس) وقامت بعمل كبير في حينها عندما قامت بمسح كامل لآثار مصر الظاهرة وسجلتها بالرسم والكلمة المكتوبة. ولا يزال هذا السجل يستخدم حتى الآن ويعتبر مصدرا رئيسيا للآثار التي فقدت أو تشوهت بفعل الزمن أو جهل الإنسان، خاصة أثار النوبة.

الكاتب :صلاح سليمان /ميونخ

مراجعة: هيثم عبد العظيم